الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024: هل يستطيع ديسانتيس إقناع الناخبين برؤيته؟
- سام كابرال
- بي بي سي نيوز، واشنطن
بالنسبة للكثير من الجمهوريين الذين يريدون أن يروا شخصا آخر غير دونالد ترامب يتنافس ضد جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2024، برز اسم واحد فقط هو رون ديسانتيس.
بعد إغلاق صناديق الاقتراع في انتخابات المجلس التشريعي لولايته يوم الجمعة الماضي، قال حاكم فلوريدا إنه سوف يقرر “قريبا نسبيا” إذا ما كان سيخوض سباق الفوز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية في العام المقبل.
منذ توليه منصب حاكم فلوريدا عام 2019، ساعد ديسانتيس خريج كلية الحقوق بجامعة هارفارد والضابط السابق بالبحرية في تحويل ولايته إلى حقل تجارب لسياسات المحافظين.
وهذا العام، وقّع ديسانتيس على سلسلة من مشاريع القوانين التي وضعها على مكتبه مجلس فلوريدا التشريعي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، محولا إياها إلى قوانين ملزمة على مستوى الولاية.
من شن حرب على ما يعرف بثقافة “الووكيزم” wokism (وهو مصطلح ازدرائي يستخدم في الغرب للإشارة إلى سلوك ومواقف الأشخاص الذي يعتبرهم المحافظون شديدي الحساسية والإفراط في التفاعل مع قضايا الظلم الاجتماعي أو السياسي أو العرقي)، إلى تشديد القيود على الإجهاض، تشكل تلك القوانين ما يصفه ديسانتيس بأنه “برنامج عمل للنهوض بأمريكا”.
ردود الفعل على القوانين التي طبقها في الأشهر الماضية تقدم بعض المؤشرات التي قد تتنبأ بأداء حملته الانتخابية المنتظرة.
سياسة حشد الأصوات
من المنتظر أن يسعى ديسانتيس إلى شق طريقه نحو سباق الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية من خلال التركيز على ما حققه في فلوريدا.
خلال الشهرين الماضيين، أقر حاكم الولاية إجراءات تسمح للأشخاص بحمل أسلحة نارية مستترة بدون ترخيص، وتدخل تعديلات على قوانين الانتخاب، وتخصص اعتمادات من أموال الضرائب لمساعدة طلاب المدارس الابتدائية والثانوية على دفع نفقات دروس خصوصية، وتوسع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام ليشمل مغتصبي الأطفال.
هذه سياسات الغرض منها حشد أصوات الناخبين الجمهوريين، وفق أوبري جويت أستاذ العلوم السياسية بجامعة سنترال فلوريدا.
يقول جويت إنه على الرغم من أن الفوز على ترامب سيكون أمرا صعبا، فإن غريمه الأصغر سنا سوف يقدم نفسه على أنه يمثل “سياسات ترامب ولكنه لا يحمل أثقال ترامب الشخصية”.
ويضيف أن ديسانتيس له “سجل محافظ قوي، كما أن اسمه صار مألوفا بشكل إيجابي بين الجمهوريين المحافظين في مختلف أنحاء البلاد”.
بيد أن حاكم فلوريدا سيواجه تحديا صعبا لتوصيل رسالته لجمهور وطني أقل محافظة خلال الانتخابات العامة.
إجراءات مبالغ فيها ضد الإجهاض؟
بعد أن أصدرت المحكمة العليا الأمريكية العام الماضي حكما يقضي بإلغاء حقوق الإجهاض، أقر ديسانتيس على الفور قانونا يحظر غالبية حالات الإجهاض بعد تجاوز الجنين عمر الخمسة عشر أسبوعا في رحم الأم.
وفيما تأخذ الطعون القضائية في ذلك القانون مجراها في أروقة محاكم الولاية، أقدم المحافظون في فلوريدا على اتخاذ خطوة أبعد من ذلك الشهر الماضي حيث حظروا إجراء عمليات الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل – أي حتى قبل أن تدرك غالبية النساء حملهن.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم سكان فلوريدا، بمن فيهم عدد كبير من الجمهوريين، يعارضون الإجراء الأخير.
وربما يكون ذلك بمثابة جرس إنذار لديسانتيس الذي يسعى إلى كسب أصوات المستقلين وتحسين وضعه لدى الناخبات. ورغم أنه فاز بولاية ثانية كحاكم لفلوريدا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أنه أٌلقي باللوم على موقف حزبه الذي تنقسم حوله الآراء بشأن الإجهاض في أدائه الإجمالي الضعيف خلال الانتخابات النصفية في عام 2022.
وإذا كانت نقطة القوة الأساسية لديسانتيس هو كونه شخصا قابلا للانتخاب، فإن هذه القضية تجعله غير مستساغ لدى الناخبين المذَبذبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد بشأن أي الحزبين سيعطونه أصواتهم.
محارب ضد “الووكيزم”
أدلى ديسانتيس بدلوه مرارا في قضايا الحرب الثقافية، لا سيما ما يصفه بـ “عقيدة الووكيزم”.
وقد صرح حاكم فلوريدا بأن ولايته “هي المكان الذي تلقى فيه الووكيزم مصرعها”، وتزعم هذا العام المجهودات الرامية إلى تغيير المناهج التعليمية لتقليص التثقيف الجنسي ودروس تاريخ السود ومنع أخذ المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بعين الاعتبار عند اتخاذ قرارات الاستثمار، وحظر مشاركة الرياضيات العابرات جنسيا في منافسات النساء، ووقف ما يعرف بـ “رعاية تأكيد الجندر” التي تقدم للشباب العابرين جنسيا.
يقول غانر رامر المدير السياسي للجنة المحاسبة بالحزب الجمهوري المعارضة لترشح ترامب، إنه على الرغم من أن الناخبين الجمهوريين يريدون محاربا يخوض حروبا ثقافية، كذلك المحارب الذي وجدوه سابقا في شخص ترامب، فإن بعض تصرفات ديسانتيس تؤدي إلى تقسيم آراء الناخبين.
ويضيف أن الحرب المتصاعدة مع شركة ديزني، وهي واحدة من أكبر الشركات في فلوريدا من حيث عدد الموظفين بسبب انتقادها لإجراءاته الرامية إلى تقليص المناقشات المدرسية حول قضايا الجندر والهوية الجنسية قوبلت بـ “استياء جماعي” من قبل الناخبين الذين شاركوا في حلقات نقاش لمجموعات تركيز استضافتها لجنته.
ويقول بيتر شورش ناشر موقع فلوريدا بوليتيكس Florida Politics الإخباري إن “كافة معارضيه يستخدمون ذلك كمثال على النوع الخطأ من عقيدة الحزب الجمهوري”، مضيفا أن هجوم ديسانتيس التشريعي والكلامي على الشركة “ربما يكون السبب في خسارته” في سباق 2024 الرئاسي.
“إنه يريد أن يكون محاربا ضد الووكيزم، لكن أعتقد أنه لم يكن بحاجة إلى كل تلك التصرفات المبالغ فيها لكي يحصل على ذلك اللقب”، على حد قول شورش.
كعب أخيل
وبينما تتضاعف قوة الاقتصاد الأمريكي، ربما سيرغب الناخبون الأمريكيون في تولي شخص ذي سياسات اقتصادية مسؤولة رئاسة البلاد – شخص يكون أسرع من بايدن في الأخذ بزمام المبادرة، ولكن أبطأ من ترامب في ردود فعله.
ووفقا للبروفيسور إدوين بنتون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ساوث فلوريدا، فإن تركيز ديسانتيس المكثف على الحروب الثقافية سوف يجعل الكثير من الناخبين يكونون انطباعا عنه بأنه ليس مهتما بنفس القدر بمعالجة قضايا مثل ارتفاع تكلفة المعيشة والتأمين على الممتلكات.
يقول بنتون إنه عندما يحين وقت الاختيار، فإن “الناس سوف ينظرون إلى المسألة الجوهرية: هل هذا الشخص مهتم بي وبأسرتي؟”
ويتنبأ بنتون بأن كلا من الرئيس بايدن وترامب سوف يشنان هجوما شرسا على ديسانتيس بسبب “تخليه عن سكان فلوريدا”.
وفي مسعى لتعزيز أوراق اعتماده الضعيفة في مجال السياسة الخارجية، زار ديسانتيس المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وإسرائيل في إطار ما سماه “بعثة تجارية دولية” تهدف إلى إقامة علاقات اقتصادية بين فلوريدا وتلك البلدان.
طريق شاق
وحتى بينما ننتظر إعلانه الرسمي عن خوض سباق الترشح لرئاسة البلاد، فإن حاكم فلوريدا قد تمكن بالفعل من جمع مبالغ لتمويل حملته تزيد بعشرات الملايين من الدولارات عما جمعه ترامب لحملته.
وقد دُشنت لجنة عمل سياسي في وقت سابق من العام الحالي لحث ديسانتيس على خوض سباق الترشح لانتخابات الرئاسة التي ستجرى العام القادم، وبدأت في نشر إعلانات تصوره على أنه مستقبل الحزب الجمهوري والبديل الحتمي لترامب، رغم أن الرئيس السابق متفوق عليه بفارق 30 نقطة في استطلاعات الرأي التي أجريت على المستوى الوطني.
يقول رامر إن الجمهوريين يريدون مرشحا قابلا للانتخاب، والكثير منهم يرون أن ديسانتيس سيكون منافسا أقوى لجو بايدن في الانتخابات العامة.
لكن أمام ديسانتيس معركة طويلة، إذا ما قرر خوض السباق.
يقول رامر: “لقد اتسعت الهوة بشكل هائل بين الفوز بترشيح الحزب الجمهوري والفوز بالانتخابات العامة”.
“فقد وضع الجمهوريون أنفسهم في موقف صعب للغاية جعل من يرغب في الفوز بترشيح الحزب مضطرا الآن إلى بذل الكثير من الجهد للفوز بترشيح ولاية ما، إلى درجة ستجعل من الصعب الفوز بسباق الرئاسة في الولايات ذات الأصوات المذَبذبة”.