تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلمية، صحابية جليلة وشاعرة مخضرمة، اشتهرت بالوفاء وقوة الشخصية وصلابة الموقف، وعرفت بتشبيه لها بالبقرة الوحشية في حسن عينيها وارتفاع أرنبتيها، وولدت وعاشت في الجاهلية، وأدركت الإسلام واعتنقته فخلدها شعرها ومواقفها.
المولد والنشأة
لا يوجد للخنساء تاريخ ميلاد مضبوط يركن إليه، غير أن الثابت أنها ولدت بنجد في الجاهلية، وعاشت فيها أكثر عمرها، في كنف بيت سُلمي عُرف بالوفرة والمنعة.
وكانت الخنساء وحيدة لأب عزيز وأخوين كريمين، وأحيطت بعناية كاملة ورعاية فائقة، فتربت على ما تتربى عليه فضليات فتيات العرب من الأخلاق، مثل عزة النفس ورعاية البيت وخدمة رجالهن، وزادت بالشعر فكانت من نوادر شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام.
ولم تخرج الخنساء من كنف أهلها إلا إلى المحيط القريب، فرفضت الزواج من دريد بن الصمة الجشمي حتى تنال أحد أبناء عمومتها، وهو ما أدركته لاحقا حين تزوجها رواحة بن عبد العزيز السلمي، ومن بعده مرداس بن أبي عامر السلمي.
إسلامها
جاءت الخنساء ضمن وفد قومها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من الهجرة، فأسلمت وحسن إسلامها وثبتت صحبتها.
ولم تزل تدافع عن الإسلام وتحض أبناءها على الجهاد حتى استشهد 4 منهم في معركة القادسية.
بلاغتها وشعرها
عرفت الخنساء ببلاغتها وصدق عاطفتها ووضوح معانيها وجزالة عبارتها في النثر والشعر، فمن نثرها الخالد وصيتها لأبنائها الأربعة حين تأهبوا للغزو.
فقالت لهم “إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية”.
ثم تلت قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، وقالت “فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”.
وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب “ألم يطل بكاؤك على أخويك؟” فردت عليه “بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت شفقة عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية”.
ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.
أما عن الشعر فيروى أن موهبة الخنساء الشعرية برزت في حداثة سنها، إلا أنها كانت تقتصر في قرضه على بيت أو بيتين أو ثلاثة في هزل أو فخر.
إلى أن قتل أخواها معاوية وصخر في معركتين متقاربتين، فجاشت عاطفتها وجادت قريحتها بالرثاء والتفجع والبكاء عليهما شعرا محكما، فبدأت حينئذ شهرتها.
وكان غرض الرثاء طاغيا على ديوانها فتقول في رثاء صخر:
أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد وساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدوا بأيديهمُ إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهمُ من المجد ثم مضى مصعدا
يكلفه القوم ما عالهم وإن يكن أصغرهم مولدا
نرى المجد يهوي إلى بيته يرى أفضل الكسب أن يحمدا
وتقول في الفخر به وتعداد خصاله:
وإن صخرا لحامينا وسيدنا وإن صخرا إذا نشتو لنحار
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وتقول في رثاء أخيها الآخر معاوية:
ألا لا أرى في الناس مثل معاويه إذا طرقت إحدى الليالي بداهيه
ألا لا أرى كالفارس الجون فارسا إذا ما عرته جرأة وغلانيه
وكان لزاز الحرب عند نشوبها إذا شمرت عن ساقها وهي ذاكيه
بلينا وما تبلى تعار وما ترى على حدث الأيام إلا كما هيه
أما استشهاد أبنائها الأربعة فجاء بعد أن تمكن الإيمان من قلبها، وتقدمت سنها وتجربتها فلم تزد فيه على الكلمة المذكورة في نثرها.
أقوال الشعراء والأدباء عنها
يقول النابغة الذبياني “الخنساء أشعر الإنس والجن”.
ويقول جرير “أنا أشعر الشعراء لولا الخنساء”.
ويقول بشار بن برد “شعر المرأة يبين ضعفها إلا الخنساء، لأنها أقوى من الرجال”.
ويقول ابن قتيبة “مما لا شك فيه أن من تبع الخنساء من شعراء الرثاء وشواعره اغترفوا جميعا من بحرها الفياض بفيض العاطفة البشرية”.
ويقول المبرد “كانت الخنساء وليلى بائنتين في أشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول”.
وقد عدها ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء من أصحاب المراثي بعد متمم بن نويرة.
وفاتها
بعد عمر مديد عاشت أوله في الجاهلية وآخره في الإسلام، وذاقت فيه حلو الحياة ومرها وتقلبت بين عسرها ويسرها، توفيت الخنساء ببادية نجد سنة 24 للهجرة.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.