“تعلَّم اللغة العربية المحكية لتصبح أفضل في طرد المزارعين والرعاة الفلسطينيين من أراضيهم”.
تُعَدُّ هذه الجملة الغريبة أهم الأدوات التسويقية التي يسمعها اليهودي وهو يحضر الدرس التمهيدي للتعريف بأهمية تعلم اللغة العربية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، فليس غنى اللغة العربية ولا جذورها المشتركة مع العبرية ولا كونها لغة اليهود الأوائل هو الذي سيقنع المستوطنين اليهود بتعلم اللغة، بل الحرب والطرد والتشريد.
لهذه الجملة قصة، تبدأ مع بداية يونيو/حزيران الحالي، حين جهّز مستوطن إسرائيلي أميركي المولد (28 عاما) نفسه جيدا لإطلاق محاضرته التمهيدية الخاصة بدورة تدريبية لتعليم اللغة العربية على الإنترنت، فاستعان لإقناع الحضور بالاستمرار حتى إتقان العربية بضابط استخبارات عسكري سابق ومحاضر متقاعد في جامعة بار إيلان يدعى موردخاي كيدار، إضافة ضابط ارتباط سابق ودبلوماسي حالي يدعي أرييل أوستريتشر، وأخيرا شباتاي كوشيليفسكي، وهو أحد مؤسسي الميليشيا المعروفة باسم “هاشومير يوش”*. يُعنَى مصمم الدورة، وهو مستوطن يقيم في أراضٍ محتلة من الضفة الغربية، باستغلال تعليم العربية في تحركاته الاستيطانية، بحيث يُستَغل هذا التفوق اللغوي في السيطرة أكثر على كل ما هو فلسطيني -حسب ما يروج لتلاميذه- وهو ما ينطبق أيضا على منظمة “هاشومير يوش” التي تؤكد أنها تسعى لتقوية المهارات اللغوية لأعضائها، حتى يتمكنوا من استخدامها في تحركاتهم على الأرض.
يُشكِّل هذا النموذج التحور الأخير في الدوافع الواقعة وراء رواج دراسة اللغة العربية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فعلى مدار العقد الماضي تزايد الإقبال على تعلم هذه اللغة من قِبَل الإسرائيليين لأسباب عدة، ومع نمو عدد اليهود المهتمين بتعلم العربية ظهرت عشرات المبادرات لتعليم اللغة العربية لتلبية تلك الرغبات بطرق مختلفة، من مدارس خاصة للغات إلى فصول داخل المؤسسات ومقار العمل وصولا إلى الدورات التي تُقدَّم في القرى المحتلة.
اللغة العربية في الذاكرة الإسرائيلية
في عام 2013، اشتكى أحد المدرسين العاملين بمدرسة ثانوية إسرائيلية تقع في ضواحي حيفا من رفض طلابه تعلم اللغة العربية، ووصف المدرس طلابه بأنهم “معادون جدا للغة نفسها”، حيث إنهم يرفضون تعلم هذه اللغة بشكل قاطع، معتبرين إياها “لغة الأعداء”.
لم تكن الواقعة غريبة أو مفاجئة أو نادرة، كون دولة الاحتلال دفعت مواطنيها اليهود دفعا لتطوير حساسية كبيرة تجاه اللغة العربية، ففي أماكن العمل يُمنع الموظفون من التحدث فيما بينهم بالعربية، وداخل الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) تُثير جملة باللغة العربية على لسان عضو عربي أزمة كبيرة وردود فعل غاضبة من قِبَل قادة الاحتلال، ليأتي ما يُعرف بـ”قانون الدولة القومية” الصادر عام 2018 ليُضعف بشكل قانوني ورسمي مكانة اللغة العربية، إذ منح القانون اللغة العبرية مكانة عُليا، باعتبارها لغة الدولة، وأعطى اللغة العربية التي يتحدث بها 22% من السكان مكانة أدنى من لغة رسمية.
وبالعودة إلى التاريخ، يمكن القول إنه حتى القرن الثاني عشر، كانت اللغة العربية الأكثر شيوعا وسط غالبية يهود العالم، كما أُلِّفَ بعض أهم الكتابات الدينية والفلسفية اليهودية بالعربية، وظلّت العربية لغة التواصل لدى معظم مَن عاش من اليهود في دول الشرق، لكنها قُوضت عمدا من قبل الاحتلال لصالح اللغة العبرية التي رفعها اليهود رمزا لهويتهم منذ تواجدهم الأول في فلسطين. ففي عهود “الييشوف”* الأولى قبل دخول العصابات الصهيونية إلى فلسطين، نشبت مواجهة ثقافية أُطلق عليها “حرب اللغات”، إثر خلاف مع شركة ساعدت اليهود الألمان في تأسيس معهد تخنيون التعليمي، حيث أصرت تلك الشركة على أن تكون لغة التدريس في المعهد هي الألمانية، فيما تحرك “الييشوف” ضد هذه الفكرة، وضغطوا على الشركة للعدول عن موقفها وإقامة المعهد باللغة العبرية.
لكن بحلول الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت المؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال تنبت جذور تعليم العربية بين اليهود الإسرائيليين، وذلك عندما أُسِّست مبادرة مشتركة لقسم التدريب في سلاح استخبارات جيش الاحتلال بالتعاون مع مكتب مستشار الشؤون العربية ووزارة الخارجية. عُدَّت هذه الخطوة مهمة للغاية، بعد أن شارف الجيل الأول من العرب اليهود الذين هاجروا لدولة الاحتلال على الاختفاء، وقد أظهرت الأبحاث الإسرائيلية التي أجراها معهد “فان لير” للأبحاث في القدس المحتلة أن معدل معرفة اللغة العربية انخفض من 25.6% في الجيل الأول من المهاجرين الوافدين من الأراضي العربية إلى 14% وسط أبناء الجيل الثاني، ثم إلى 1.3% بين الجيل الثالث، الذي أراد الخلاص من اللغة العربية ومن أي ارتباط بها.
لكن بحلول الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت المؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال تنبت جذور تعليم العربية بين اليهود الإسرائيليين، وذلك عندما أُسِّست مبادرة مشتركة لقسم التدريب في سلاح استخبارات جيش الاحتلال بالتعاون مع مكتب مستشار الشؤون العربية ووزارة الخارجية. عُدَّت هذه الخطوة مهمة للغاية، بعد أن شارف الجيل الأول من العرب اليهود الذين هاجروا لدولة الاحتلال على الاختفاء، وقد أظهرت الأبحاث الإسرائيلية التي أجراها معهد “فان لير” للأبحاث في القدس المحتلة أن معدل معرفة اللغة العربية انخفض من 25.6% في الجيل الأول من المهاجرين الوافدين من الأراضي العربية إلى 14% وسط أبناء الجيل الثاني، ثم إلى 1.3% بين الجيل الثالث، الذي أراد الخلاص من اللغة العربية ومن أي ارتباط بها.
ورغم أن تدريس اللغة العربية في مدارس حكومة الاحتلال من الصف السابع وحتى العاشر لا يزال إلزاميا، فإن معظم الطلبة الذين يتخرجون في المدرسة لا يحتفظون إلا بالقليل جدا من العربية، ويعود ذلك لما تُقِر به وزارة التربية والتعليم التابعة للاحتلال، بكون نحو ثلث المدارس المتوسطة اليهودية لا تستوفي شرط تدريس اللغة العربية، وتركز برامج العربية فيها على اللغة العربية الأدبية التي تجعل من الصعب على الطلاب اليهود التواصل بالعربية لاحقا، كما أن العديد من مدرسي العربية يفتقرون هم أنفسهم إلى إتقان اللغة كتابة وقراءة وتحدثا، كما أشارت حايا فيشر، مديرة برامج تعلم اللغة في الجامعة العبرية في القدس المحتلة.
ونتيجة لكل هذه العوامل، يفتقد 95% من اليهود في دولة الاحتلال للقدرة على التواصل باللغة العربية، رغم أن أكثر من خمس سكان دولة الاحتلال هم من الفلسطينيين الناطقين باللغة العربية، فيما يتقن 92% من العرب في المقابل اللغة العبرية. ووفقا لأحدث الأرقام المتاحة التي تعود لعام 2011، هناك 11.5% فقط من اليهود الإسرائيليين الذين تزيد أعمارهم على 20 عاما ممن لديهم “أي معرفة” باللغة العربية.
إقبال جديد
لى فراش عربي ووسط خيمة تفوح بقصائد الشعر، يجلس رجل يرتدي غترة وعقالا وعباءة بدوية، ليس الرجل عربيا كما قد توحي الصورة، بل هو يهودي يُدعى يوسف محفوظ ليفي. ينحدر ليفي الذي يبلغ من العمر 34 عاما من هرتسليا القريبة من تل أبيب، ولا تنحصر علاقته بالعرب ولغتهم وتراثهم في الهيئة التي تُظهرها الصورة، بل يُعَدُّ الشاب اليهودي متقنا للعربية التي تعلمها بنفسه مذ كان مراهقا في الرابعة عشرة من عمره.
يمتهن ليفي الحاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة بار إيلان تعليم اللغة العربية في مختلف المؤسسات والهيئات الإسرائيلية، وهو مؤسس شركة “Insijam CLS” التي تعني بالعربية “الانسجام” وتؤدي مهام الترجمة بين رجال الأعمال الإسرائيليين والعرب من دول عربية متعددة.
مرَّر ليفي معارفه اللغوية العربية للكثير من الطلبة في “معهد جفعات هافيفا” للدراسات العربية، ومن بين طلبته كان “شين كوبرمان”، الذي أنشأ فيما بعد مدرسة نوعية لتعليم اللغة العربية في قرية أبو غوش المحتلة، متخذا منزلا يعود بناؤه إلى العصر العثماني مقرا لمؤسسته اللغوية التي توفر بجانب التعليم النظري اتصالا بين متعلمي اللغة والسكان المحليين لممارسة اللغة، وذلك بالوجود مع العرب في منازلهم وأماكن عملهم وحياتهم الاجتماعية.
قد يبدو الأمر مثيرا للاهتمام، لكن الأهم والأكثر غرابة في تجربة كوبرمان هو تأكيده أن العديد من الأنشطة في مدرسته أصبحت ممكنة بفضل الدعم والتبرعات الخيرية التي حصل عليها من المنظمات الإسرائيلية. ويقول كوبرمان إن التعليم قد لا يكون كافيا لكسب لقمة العيش، مستدركا بالقول إنه يعتقد جازما أن إسرائيل ستكون مجتمعا أفضل عندما يتحدث اليهود العربية ويمكنهم أن يفهموا دون وساطة ما يجري حولهم.
في العامين الأخيرين، بدأ الاهتمام بتعليم اللغة العربية يتزايد حتى على المستوى الرسمي للاحتلال، ففي القدس المحتلة كثفت “البلدية” التابعة للاحتلال جهودها في تعليم اللغة العربية، وأطلقت في نهاية أغسطس/آب 2022 منهاجا جديدا يسمى “أهلا” لتعليم التلاميذ في المدارس اليهودية بالقدس اللغة العربية، ويعتمد البرنامج على تدريس اللهجة الفلسطينية وهي اللغة العربية المحكية، بدلا من اللغة العربية الفصحى “الأقل عملية”، وقالت البلدية إن ذلك يأتي بهدف “تعزيز قدرة الطلاب اليهود على التواصل باللغة العربية، في محاولة لخلق ضوء إيجابي بين سكان المدينة العرب واليهود”.
تعتقد وزارة التعليم الإسرائيلية أنه يجب أن يكون الطلاب على دراية بما يقوله العرب اليوم حتى لو لم يكن لطيفا بالنسبة لليهود. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت اللغة العربية أكثر شيوعا بوصفها لغة تدريس في الجامعات الإسرائيلية، وقد كانت جامعة بن غوريون في النقب والجامعة العبرية في القدس من أوائل الجامعات التي بدأت بإجراء تغييرات من تلقاء نفسها لتعليم العربية، وفي الجامعة العبرية التي احتفظت بامتياز كونها أول مَن أسس كلية الدراسات الشرقية عام 1926، أصبح من غير المُستغرب استقدام محاضرين فلسطينيين في قسم اللغة العربية وآدابها، ويقوم هؤلاء المحاضرون باستخدام اللغة العربية لغةً للتدريس، كما حدث في يناير/كانون الثاني 2021، حين استُقدِم الدكتور إياس ناصر بصفته أول محاضر فلسطيني في هذا القسم، إذ يسهر المحاضر العربي على رعاية حضور اللغة العربية داخل أروقة الجامعة العبرية، سواء عبر تدريس فصل جامعي لشاعر ومؤرخ القرن العاشر أبو الفرج الأصفهاني، أو بالسهر على مشروع تصحيح اللافتات العربية في الجامعة.
أما في جامعة بن غوريون، فيخضع الطلبة لبرنامج “2-year”، الذي يتضمن أكثر من ثلاثة فصول في الأسبوع، يرتكز التدريس فيها على كلٍّ من القواعد والمحادثة، بحيث تُدرَّس الفصول الدراسية في الغالب من قِبل متحدثي اللغة العربية الأصليين، ليتحوَّل التدريس بعدها إلى طريقة “الانغماس” في الممارسة اللغوية بمجرد تكوين قاعدة معرفية صلبة. ويقول منار مخول، بروفيسور الأدب العربي في جامعة تل أبيب، إن 90% من المناقشات في ندواته المتقدمة تكون باللغة العربية لأهمية استخدام اللغة من أجل تعلمها. أما عن الغاية من وراء هذه البرامج اللغوية، فيقول مخول إن الوضع السياسي قد يختلف بمجرد حيازة اليهود الإسرائيليين إمكانية القراءة والتواصل باللغة العربية وفهم طبائع الأشياء بشكل مستقل عن وسائل الإعلام الإسرائيلية.
أداة قتل عسكري
“الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية.. نحتاج إلى مساعدتكم في إحباط هجوم إرهابي تلقينا العديد من التنبيهات بشأنه”.
بهذه الجملة يبدأ ضابط إسرائيلي يرتدي بزة عسكرية درسه أمام طلاب المدارس الإعدادية الإسرائيلية، بحثا عن إثارة خوف الطلبة لحثهم على تعلم اللغة العربية لما في ذلك من أهمية للحفاظ على أمن وأمان إسرائيل، حسب زعمه. يأتي خطاب هذا الضابط الإسرائيلي في إطار البرنامج المشترك بين مخابرات جيش الاحتلال ووزارة التعليم الإسرائيلية، الذي أعدَّته وحدة “تعزيز الدراسات العربية والشرق أوسطية” المعروفة اختصار بـ(TELEM)، وهي جزء من وحدة استخبارات النخبة 8200 التابعة لجيش الاحتلال.
وبالعودة إلى الوراء، يمكن القول إن جذور التعاون في تعليم اللغة العربية بين جهاز المخابرات ونظام التعليم في دولة الاحتلال تعود إلى عقود مضت، إذ تُظهر وثائق أرشيفية تعود لعام 1956 قيام مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية شموئيل ديفون بإرسال رسالة إلى “يهوشافات هاركابي” رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية جاء فيها: “إننا بحاجة إلى ضمان تطوير الكوادر التي ستؤدي أدوارا في الشؤون العربية، وهي مهمة تتطلب تكييف نظام التعليم مع هذه الاحتياجات الخاصة الجديدة”. وبعد ثماني سنوات من الرسالة الأولى، جاء في رسالة متبادلة بين المخابرات العسكرية وما يُسمى بـ”اللجنة الوطنية لمدرسي اللغة العربية” أنه “في ضوء المطالب المتزايدة لرئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي، حُدِّدت سلسلة من الاجتماعات بين المخابرات العسكرية ووزارة التربية والتعليم لتشجيع دراسة اللغة العربية”، وهو تعاون أفضى مع مرور الوقت إلى اتخاذ المخابرات العسكرية قرارا بتأسيس وحدة “TELEM” بعد حرب عام 1973.
بناء على ما سبق، ترسخ الاعتقاد في مجتمع الاحتلال بأن مَن يريد تعلم اللغة العربية هو مَن يُعنى بالانضمام إلى المخابرات العسكرية أو جهاز الأمن العام المعروف بـ”الشاباك” أو أي وحدة أمنية تتعامل مع العرب، وعمليا كانت مصلحة جيش الاحتلال -الذي تراجع دوره لاحقا في تعليم العربية- تتركز على حث المؤسسات التعليمية الثانوية على تخريج عدد من الطلبة الجيدين الذين يُعَدّون مترشحين للعمل داخل الاستخبارات العسكرية أو أي وحدة أخرى من وحدات جيش الاحتلال. ويشرح يوناتان مندل، المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون، في كتابه “إنشاء اللغة العربية الإسرائيلية: الأمن والسياسة في الدراسات العربية في إسرائيل”، الصادر عام 2014، كيف أدت العلاقة بين المؤسستين التعليمية والعسكرية إلى تعميق المهارات الاستيعابية للغة بدلا من المهارات الإنتاجية، حيث قامت البيداغوجيا (طرق التربية) العسكرية في الواقع على إبعاد الطلاب اليهود الإسرائيليين عن العرب بدلا من أن يكونوا بمنزلة جسر محتمل للعبور إلى عالم الفلسطينيين.
أدى تركيز جيش الاحتلال على تعليم اللغة العربية العسكرية أكثر من اللغة العربية المستخدمة إلى حدوث نقاط ضعف جعلت 11% فقط من اليهود لديهم معرفة باللغة العربية المنطوقة، لكن كل هذا آخذ في التغيير في الفترة الأخيرة بتضاعف إقبال اليهود على تعليم وتعلم لغة الضاد. ويعود إقبال اليهود على تعلم العربية إلى عدة أسباب، فالمتطرفون اليهود يتعلمون العربية لأسباب أيديولوجية، والمثال هنا مستوطِنة يهودية تُدعى “نوعا كاتسوفر”، تعيش في قلب حي سلوان في القدس المحتلة، وهي ملتحقة بإحدى دورات تعلم العربية، تتحدث عن دوافعها لهذه الخطوة مع صحيفة “جيروزاليم بوست” قائلة إنها “تعيش في دولة الاحتلال لأسباب أيديولوجية واضحة، إذ تعتقد أنه يجب أن يكون هناك وجود يهودي في القدس الشرقية، كون المنطقة هي أقدم مكان في دولة إسرائيل، حيث أسس الملك داود مملكة يهوذا من القدس” على حد زعمها. واعتبرت المستوطنة اليهودية أيضا أن عيشها في حي مختلط يجمع بين اليهود والعرب يفرض عليها تعلم العربية “للحفاظ على جيرة طيبة”.
في سياق متصل، يذهب الحاخام إلحنان ميلر، الذي درس اللغة العربية منذ عام 2017 ويُقدِّم مقاطع فيديو تشرح اليهودية باللغة العربية، إلى أن الكثير من العرب والمسلمين لديهم فضول كبير لمعرفة اليهودية، بيد أن هجرة اليهود من هذه البلدان حال دون ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يتعلم عدد متزايد من الإسرائيليين اللغة العربية بعد توقيع اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية العربية منذ عام 2020، وذلك حتى يتمكنوا من التحدث إلى السكان المحليين عندما يزورون الدول التي أعلنت رسميا إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الصراع العسكري بين الفلسطينيين والإسرائيليين يقف دافعا رئيسا وراء تعلم العربية، فقد دفعت هجمات المقاومة الفلسطينية اليهود في دولة الاحتلال إلى تكثيف دراستهم للغة، خاصة بعد عام 2015 الذي وُلدت فيه ظاهرة “الذئاب المنفردة”، وهو أمر يظهر دراميا في مسلسل “فوضى” عام 2018 الذي تدور أحداثه حول وحدة عسكرية سرية تعمل في الأراضي الفلسطينية، حيث يتحدث النشطاء وعناصر المخابرات الإسرائيلية العربية بطلاقة.
لا تُعَدُّ اللغة العربية إذن مجرد لغة يتعلمها القاطنون في دولة الاحتلال من أجل توسيع المدارك الثقافية أو التواصل مع العرب، لكنها جزء من منظومة أوسع مبنية على أغراض أمنية في المقام الأول، حيث بات قادة الاحتلال يرون أن تعلم العربية ليس ضروريا فقط لـ”درء الأخطار” العربية، ولكنه لا غنى عنه من أجل كفاءة منظومة الحرب والتشريد الإسرائيلية، فإذا كنا سنطرد العرب من بيوتهم وقراهم لا محالة، فيحسن أن نفعل ذلك بلغتهم في نهاية المطاف.
______________________________
هوامش:
- يوش هو اختصار عبري شائع لكلمة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وهي منظمة تشجع برعاية حكومة وجيش الاحتلال العنف الذي يمارس ضد الرعاة الفلسطينيين والمزارعين لدفعهم نحو ترك أراضيهم في الضفة الغربية.
- الوجود اليهودي في فلسطين قبل 1948.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.