زلزال تركيا وسوريا: في اللاذقية عائلات أبيدت بالكامل وأخرى لم تغادر بيوتها المتصدّعة
- عساف عبود
- بي بي سي نيوز – اللاذقية
يتمسك أبو أيمن بالمكان الذي قضى فيه عقوداً من سنوات عمره الثمانين. يستقبل أصدقاءه في حديقة منزله الذي غادره مرغماً إلى منزل ولده القريب، بعدما دمر الزلزال منزله.
يجلس مرتدياً عباءته على كرسيه المتحرك تحت شجرة ضخمة وارفة الظلال تطل على الطريق العام حيث يتلقى التحيات من العابرين.
يصر على الحضور يومياً إلى هذا المكان، ساعياً لاستعادة عاداته اليومية، التي لم يتمكن الزلزال من تبديلها.
أبو أيمن واحد ممن يحاولون العودة لحياتهم الطبيعية بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا بداية هذا الشهر.
ويقول لبي بي سي إن “إمكانياتي المالية محدودة، ونحن بحاجة ماسة للدعم لترميم منزلي”.
تشير إحصائيات رسمية إلى سقوط أكثر من 800 ضحية في محافظة اللاذقية بسبب الزلزال، وإصابة أكثر من ألف وخمسمائة بجراح. وتجاوز عدد المتضررين 150 ألف شخص ودمار أكثر من مئة منزل وتصدع 247 آخر.
ورغم العمل المتواصل لاستيعاب الذين تشردوا بسبب الزلزال في مراكز الإيواء، وانخراط آلاف المتطوعين في جهود المساعدة، إلا أن العدد الأكبر من العائلات لم تجد أماكن لها، فإمكانيات مراكز الإيواء محدودة، وبالتالي كان أمام هؤلاء خيارين: إما البقاء في منازلهم المتصدعة، أو الانتقال إلى منازل أقاربهم.
“أفضل الموت في منزلي”
كل ذلك دفع بالجهات الحكومية والأهلية للبدء بعمليات الإيواء وتقديم المساعدات الطبية والغذائية للذين تشردوا وتوزعوا على 40 مركز إيواء.
كما جهزت المدارس لاستقبال المتضررين، وقد رفض البعض ترك منزله المتصدع مفضلاً البقاء فيه على أن ينتقل إلى مركز الإيواء.
ترفض عائلة أبو حيدر مغادرة منزلها ذو الطابق الواحد في بلدة اسطامو، في ريف اللاذقية، شمال سوريا.
تصدّع غرف المنزل أجبر العائلة على الإقامة في غرفة واحدة بقيت سليمة. تقول الأسرة إنه ليس بمقدورها ترميم المنزل في وقت قريب.
في حديقة منزله المزروعة بأشجار البرتقال، يقول أبو حيدر لبي بي سي: “أنا عامل زراعي محدود الدخل، ولا أملك مالاً لإصلاح المنزل”.
وتخشى أم حيدر عدم الاهتمام الصحي إن ذهبت إلى مركز الإيواء. وتقول لبي بي سي:” أنا مريضة قلب وسكري. أفضل الموت في منزلي على الذهاب إلى مركز الإيواء”.
الناجي الوحيد
قضى الزلزال على عائلات بأكملها، وفي بعض الحالات لم يبق بقي من الأسرة إلا شخص واحد، مثل سالي التي لا يتجاوز عمرها 15 عاماً. فقدت أبيها وأمها وأخيها، وبقيت وحدها.
تحاول الآن التعافي من إصابة في قدمها اليسرى.
لا تقوى على تجميع الكلمات، لتحكي كيف خرجت من تحت الركام لتفجع بوفاة العائلة، قبل أن تنتقل لتعيش حالياً في منزل جدها. وتقول لبي بي سي: “تم إنقاذي أولاً، وبعد يوم أخرجوا الباقين، لم يبقَ منهم أحد”.
لم تفارق الدموع عينيها حين أخبرتنا أنها تنتظر العودة إلى المدرسة.
قابلنا آخرين قتل الزلزال كل أفراد عائلاتهم. من بينهم طفل يسمى حيدر، عمره 15 عاماً، نجا هو وأخته ذات السنوات التسع.
أما الشاب العشريني حيدر، المقيم في دمشق، فقد عاد إلى منزل العائلة في بلدة جبلة في محافظة اللاذقية، لينتشل جثث أبيه وأمه وأخويه من تحت الركام، وبقي وحيداً.
يقول لبي بي سي إنه يتمنى “أن يحكم على منفذ البناء والمهندس المشرف بالشنق في موقع المبنى المدمر، الذي قضت فيه عائلتي”.
لم يبقَ لحيدر شيء في قريته جبلة ليظلّ من أجله. يعتزم العودة إلى عمله في دمشق، لعله يستطيع استعادة حياته الطبيعية.
الزلزال لم يقتلنا، بل المباني
يلقي السكان باللوم على منفذي العمارات والأبنية. ويعتبرون أن تلاعبهم بالمواصفات اللازمة للبناء السليم، بهدف الحصول على أكبر قدر من الأرباح، هو ما أوقع مئات الضحايا.
بالقرب من قرية جبلة التي زرناها على مدار يومين، صمد مسرح يعود للعصر الروماني أمام الزلزال.
بني منذ ألفي عام تقريباً، وهو مصنف على قائمة التراث العالمي.
يشعر جيران المسرح بالارتياح لبقائه، لكنهم يرون صموده دليلاً آخر على سوء تنفيذ المباني الحديثة.
ومن يجول في اللاذقية وريفها يلمس حجم الركام والدمار، الذي يحتاج أشهراً طويلة لإزالته فيما تحتاج إعادة الإعمار لسنوات بسبب ما عانته سوريا خلال الحرب وبفعل العقوبات والزلازل.
يحاول السكان التعافي من آثار تركها الزلزال المدمر، لكن ما يصعب المهمة هو تكرار الهزات الأرضية التي تفزع كبيرهم وصغيرهم من آن لآخر.