هل تزيح الصين أمريكا من الشرق الأوسط؟
لم يمر أسبوعان على قرار السعودية وإيران استئناف العلاقات بينهما بعد وساطة صينية، وما أعقب ذلك من إعلان استئناف العلاقات القنصلية بين المملكة وسوريا بوساطة روسية، حتى جاء الإعلان عن توقيع أرامكو السعودية اتفاقا مع بكين لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في الصين.
فقد اتفقت شركة أرامكو السعودية، مع الصين على بناء مصفاة للنفط ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق البلاد. وسيكون المشروع المشترك بين أرامكو وشركتين صينيتين هما “نورينكو” العملاقة ” و”بانجين زينتشين” الصناعية.
وقد تصل تكلفة المشروع إلى 12.2 مليار دولار أمريكي، بحسب مجموعة “بانجين زينتشين”.
وسيفتتح المشروع بالكامل في عام 2026، ويهدف إلى تلبية الطلب المتزايد للبلاد على الوقود والبتروكيماويات.
وقال أمين الناصر، رئيس أرامكو السعودية إن الطاقة الإنتاجية للشركة من النفط ستزيد في عام 2027 إلى 13 مليون برميل يومياً، وستعزز أمن الطاقة الصيني على المدى الطويل، كما سيتم رفع إنتاج الغاز بأكثر من 50 في المئة بحلول 2030.
وستستورد الصين من أرامكو 210 آلاف برميل يومياً من النفط الخام للمجمع الذي سيتم بناؤه في مدينة بانجين في مقاطعة لياونينغ الصينية.
شراكة استراتيجية
وقد بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء، مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، أوجه الشراكة بين البلدين وسبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الصيني، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.
وقالت الوكالة، إنه جرى خلال الاتصال “التأكيد على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية”.
ونقلت عن ولي العهد إعرابه عن “تقدير المملكة للمبادرة الصينية لدعم جهود تطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة والجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
من جانبه، أشاد الرئيس الصيني، وفق الوكالة، “بدور المملكة في تعزيز تطوير علاقات بلاده مع دول مجلس التعاون ودول منطقة الشرق الأوسط”.
كما تم خلال الاتصال “استعراض أوجه الشراكة بين المملكة والصين، والجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات” بحسب الوكالة.
وكانت الصين والسعودية قد وقعتا اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة في ديسمبر/كانون الأول الماضي حيث أجرى محادثات مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، في العاصمة السعودية الرياض.
ووقعت السعودية والصين خلال تلك الزيارة مجموعة من الاتفاقيات، التي شملت مجالات من بينها الطاقة والبنية التحتية، بقيمة حوالي 30 مليار دولار، حيث تسعى الصين إلى النهوض باقتصادها الذي تضرر بفعل جائحة كوفيد، بينما تتطلع السعودية إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية حينئذ إن محمد بن سلمان و شي جينبينغ أشرفا على توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة تتعلق بالهيدروجين، بالإضافة إلى خطة لـ”التوفيق” بين أجندة الإصلاح الاقتصادي الطموحة في السعودية المعروفة باسم “رؤية 2030” ومبادرة الحزام والطريق الصينية التي تكلف تريليونات الدولارات.
وقالت وكالة الأنباء السعودية أيضاً إن الاتفاقات الموقعة تشمل مشروعا للبتروكيماويات وتطوير مشاريع إسكانية وتعليم اللغة الصينية.
وكان شي جينبينغ قد قال لدى وصوله إلى السعودية إن العلاقات الثنائية بين البلدين قد نمت “بسرعة كبيرة” منذ أن أرسى البلدان شراكة في عام 2016.
وبحسب وسائل إعلام صينية، فإن شي قال إن هذه الشراكة أدت “ليس فقط إلى إثراء حياة شعبي البلدين وإنما أدت أيضاً إلى تعزيز السلام والأمن والرخاء والتنمية الإقليمية”.
ويعتبر ولي العهد السعودي الصين شريكا مهما في أجندة رؤيته الشاملة “رؤية 2030″، حيث يسعى إلى مشاركة الشركات الصينية في مشاريع طموحة عملاقة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن أنواع الوقود الأحفوري.
كما قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح آنذاك إن زيارة الرئيس الصيني “ستساهم في رفع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين”، بما تقدمه من “عائدات مجزية” للشركات والمستثمرين الصينيين.
إيران
لم تقتصر الشراكة بين السعودية والصين على الجانب الاقتصادي بل امتدت لتشمل الجانب السياسي أيضا، فكان نجاح الوساطة الصينية في استئناف العلاقات بين المملكة وإيران وإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، بعد 7 سنوات من التوترات بينهما.
وأعرب الجانبان عن شكرهما للصين، وكذلك للعراق وسلطنة عمان على استضافة محادثات سابقة في 2021 و2022.
ووصف وزير خارجية الصين وانغ يي الاتفاقية بأنها “انتصار للحوار، وانتصار للسلام، وتقديم أخبار جيدة مهمة في وقت يموج فيه العالم بالاضطراب”.
وتعدّ هذه الاتفاقية انتصارا دبلوماسيا للصين في منطقة تسيطر الولايات المتحدة على جغرافيتها السياسية.
ويأتي ذلك في وقت تدعو فيه الصين إلى الحوار بشأن الحرب في أوكرانيا، وسط اتهامات يوجّهها الغرب لبكين بأنها لم تفعل ما يكفي في هذا الصدد.
وقال وانغ: “كوسيط حسَن النية ويُعتمد عليه، وفت الصين بمهامها كمضيف .. وستستمر بكين في لعب دور بناء في التعامل مع قضايا ساخنة في العالم وإظهار مسؤوليتها كأمة كبرى”. ونوه وانغ إلى أن العالم ليس قضية أوكرانيا فحسب.
وفي الولايات المتحدة، قال متحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض إن واشنطن كانت قلقة بشأن تقارير عن الاتفاقية، على أنها ترحّب بأي جهود تُبذل لإنهاء الحرب في اليمن ونزْع فتيل التوتر في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول أمني إيراني بارز إن الاتفاق يحظى بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي.
وأضاف المسؤول لرويترز: “من أجل ذلك سافر شامخاني إلى الصين كممثل للقائد الأعلى .. لقد أرادت المؤسسة التدليل على أن السلطة الأعلى في إيران تدعم القرار”.
وتُعرف الرياض بقُرب تقليدي في علاقاتها مع الولايات المتحدة التي تشهد العلاقات بينها وبين كل من إيران والصين توترا.
تهميش الدور الأمريكي
ووسط الانتصارات الاقتصادية والدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط، جاء استئناف العلاقات القنصلية بين السعودية وسوريا بوساطة روسية.
ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا مؤخرا لمراسليها من الشرق الأوسط قالت فيه إن التقارب السعودي السوري قد يترك الولايات المتحدة على الهامش أثناء فترة من التحولات في الشرق الأوسط.
وقد عارضت الولايات المتحدة تحركات دول المنطقة لتطبيع العلاقات مع الأسد، مشيرة إلى تعامل حكومته بوحشية خلال الصراع.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “إن موقف الولايات المتحدة من التطبيع لم يتغير” وإنها لن تشجع دولا أخرى على تطبيع العلاقات مع الأسد.
وبادرت الإمارات، وهي شريك استراتيجي آخر للولايات المتحدة، بالتطبيع مع النظام السوري، واستقبلت بشار الأسد مؤخرا في أبو ظبي.
كانت الخلافات بين واشنطن من جانب والرياض وأبوظبي من جانب آخر قد تصاعدت منذ وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في عام 2020.
وشملت تلك الخلافات ملفات عديدة منها الملف النووي الإيراني، والحرب في اليمن، وإدراج جماعة الحوثي على ملف الإرهاب، فضلا عن قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وامتدت الخلافات إلى ملف الحرب الأوكرانية حيث مازالت السعودية والإمارات ملتزمتين بعدم الانحياز لأي طرف في العملية العسكرية الروسية التي بدأت في أوكرانيا بتاريخ 24 فبراير/شباط من العام الماضي.
هل يمكن أن تكون الصين بديلا لأمريكا في الشرق الأوسط؟
ما الذي تريده الصين من العرب؟
كيف ترون اتفاق أرامكو مع الصين على بناء مصفاة ضخمة للنفط ومجمع للبتروكيماويات؟
وهل بدأ النفوذ الصيني والروسي في إزاحة النفوذ الأمريكي من المنطقة؟
ما الذي أدى برأيكم إلى تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط؟
وما الذي يمكن أن تفعله واشنطن إزاء ذلك؟
هل باستطاعة دول الخليج الاستغناء عن أمريكا واستبدالها بالصين؟
وما هي كلفة ذلك؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 29 آذار/ مارس
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442038752989.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابطعلى موقع يوتيوب