اتهمت صحيفة “إزفيستيا” الروسية بولندا بأنها المستفيد الأكبر من مبادرة البحار الثلاثة التي جمعت لها 12 دولة من شرق أوروبا ووسطها، قائلة إنها بذلك تخطو خطوةً نحو تحقيق حلمها في إنشاء إمبراطوريتها الخاصة.
وقالت الصحيفة إن مدينة لوبلين البولندية استضافت قبل مدة منتدى أعمال مبادرة البحار الثلاثة وكان محورها الرئيس هو كيفية تطوير البنية التحتية المشتركة لهذه الدول لتعزيز الروابط الوثيقة بينها.
وفي تقريره لصحيفة “إزفيستيا”، قال نيكيتا إليسيف إن بولندا هي المستفيد الأكبر من مبادرة البحار الثلاثة التي تعدّ خطوةً نحو تحقيق حلمها في إنشاء إمبراطوريتها الخاصة.
الخطط الطموحة
وتضمّ مبادرة البحار الثلاثة النمسا وبولندا وبلغاريا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وكرواتيا وجمهورية التشيك. عُقد الاجتماع الأول للمجموعة في عام 2017 في مدينة دوبروفنيك الكرواتية حيث أعلن المشاركون عن رغبتهم في جعل اقتصاد أوروبا الشرقية والوسطى في مستوى اقتصاد أوروبا الغربية.
في ذلك الوقت، قالت رئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروفيتش إن “البحر الأدرياتيكي وبحر البلطيق والبحر الأسود هي الشرايين الحيوية لأوروبا. تمثل منطقتنا 28% من أراضي الاتحاد الأوروبي و22% من حجم سكانه، لكنها تسهم بـ10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي”.
وذكر الكاتب أن أهداف مبادرة “البحار الثلاثة” لم تكن في يوم من الأيام ذات طابع اقتصادي بل هي مشروع جيوسياسي.
فخلال منتدى دوبروفنيك، يقول إليسيف إن الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية جيمس إل جونز اتهم موسكو بأنها تستخدم موارد الطاقة وسيلة ضغط لتنفيذ إستراتيجية “فرّق تسد” في علاقاتها بأوروبا.
وأضاف جونز أن ربط شمال أوروبا بجنوبها من خلال مبادرة البحار الثلاثة “سيهزم العدو في مجال إمدادات الطاقة”.
وأوضح الكاتب أن “الجميع يدركون أن المفاهيم الجيوسياسية البولندية القديمة تختبئ خلف مبادرة البحار الثلاثة”.
وأضاف أن فكرة تأسيس اتحاد دول يتركّز في مثلث بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود طرحها في بداية القرن الماضي رجل الدولة البولندي جوزيف بيلسودسكي.
وفي نهاية القرن العشرين أحيت بولندا أيديولوجية بيلسودسكي وطموحاته كما يقول الكاتب، ولم تكتف بذلك بل شملت خطط الأيديولوجيين البولنديين الحديثين استعادة الكومنولث السابق بالشكل الذي كان موجودًا به في القرنين 16 و17.
وهو ما تمخض عنه، حسب الكاتب، ظهور مشروع “بلاد ما بين البحرين” الجيوسياسي الذي يقوم على الإنشاء التدريجي لكتلة عسكرية اقتصادية لبلدان أوروبا الشرقية حول بولندا.
ويرى الأستاذ في جامعة وارسو ريتشارد زيمبا أنه بعد شروع السياسيين البولنديين في تنفيذ مشاريع البنية التحتية في إطار مبادرة “البحار الثلاثة”، فإنهم يعتزمون الآن توسيع نطاق المخطط.
ونقل الكاتب عن زيمبا قوله في كتاب له صدر عام 2020 تحت عنوان “السياسة الخارجية والأمنية البولندية” إن “توحيد الإمكانات الديمغرافية والاقتصادية للمنطقة من شأنه تقليص حجم التبعية إلى روسيا وألمانيا”.
معاهدة المؤسسات
وأبرز الكاتب قول رئيس بولندا الحالي أندريه دودا أثناء افتتاح منتدى “البحار الثلاثة” في لوبلين: “في السنوات الأخيرة، أصبح هذا الحدث منصة مهمة لتبادل الخبرات ومناقشة التعاون الإقليمي في الجزء الخاص بنا من أوروبا”.
وأشار دودا إلى أن نسبة إسهام البلدان التي تعد جزءًا من مبادرة “البحار الثلاثة” في الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بلغت 15.2% في عام 2004 وارتفعت إلى 19.1% في عام 2018.
وأكّد دودا أن “بولندا تظل رائدة في النمو الاقتصادي بمتوسط نمو يزيد على 5%”.
وأفاد الكاتب بأن المشاركين في المنتدى وقّعوا اتفاقية لإنشاء شبكة جامعات توحّد مؤسسات التعليم العالي في الدول الـ12 وتساعد في “تكثيف التعاون عبر الحدود”.
وأشار الكاتب إلى أن تأسيس تحالف الغاز كان من بين المواضيع التي طُرحت للنقاش خلال منتدى لوبلين، بإنشاء “ممر الغاز العمودي” من مدينة اشوينواويشتشه البولندية حيث تقع محطة الغاز الطبيعي المسال إلى جزيرة كرك الكرواتية.
وأضاف أن بولندا التي بذلت جهدا كبيرا لبناء “إمبراطورية الطاقة المصغرة” الخاصة بها في السنوات الأخيرة هي المستفيد الأكبر من هذا المشروع.
تقض مضجع روسيا
تعليقا على هذا، تقول ناتاليا إيريمينا أستاذة العلوم السياسية في جامعة سان بطرسبورغ إن مبادرة البحار الثلاثة مثال صارخ على سياسة إنشاء آلية للتعاون الإقليمي تحت إشراف الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه رغم كون بولندا هي المستفيد الرئيس من مبادرة “البحار الثلاثة” فإن العملية تسير تحت إشراف واشنطن التي أذنت لوارسو بتمثيل المصالح الأميركية في المنطقة.
وتضيف إيريمينا أن “هذه إحدى مهام السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تقوم على بناء علاقات مع كتل من الدول داخل الاتحاد الأوروبي، بالاعتماد على اللاعبين الأكثر ولاء لها”.
وحسب إيريمينا، فإن ضمّ أوكرانيا إلى مبادرة “البحار الثلاثة” يعكس تحويلها إلى مبادرة ذات طابع عسكري وسياسي، وليس اقتصاديا بحتا.
وتضيف أن “هذه المبادرة تقض مضجع روسيا، ومع ذلك فإنها غير متجانسة نظرًا لاختلاف قدرات أعضائها وآرائهم في قضايا معينة”، غير أنها تستدرك قائلة إن “مبادرة البحار الثلاثة تعمل كآلية لتوحيد بلدان المنطقة، لا سيما في الجوانب العسكرية”.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.