إسلام آباد- موجة قد تكون هي الأصعب في التاريخ السياسي القصير يواجهها حزب إنصاف الباكستاني الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عمران خان بعد أحداث التاسع من مايو/أيار الجاري التي أعقبت اعتقال عمران خان، وجرّت البلاد إلى أزمة سياسية وموجة من العنف.
وتكمن شدة الأزمة هذه المرة في موجة متصاعدة من الاستقالات في صفوف حزب إنصاف، إضافة إلى اعتقالات في صفوف قادة آخرين لا يزالون يرفضون الاستقالة، بالتزامن مع توجه حكومي لدراسة حظر الحزب.
بدأت الاعتقالات في صفوف قيادات الحزب منذ الأيام الأولى لاعتقال عمران خان، فكان أبرز المعتقلين وزير المالية السابق والأمين العام للحزب أسد عمر، ووزير الإعلام السابق والنائب الأول لرئيس الحزب فؤاد تشودري، ووزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي الذي لا يزال معتقلا.
ومن ضمن الذين اعتُقلوا أيضا وزير شؤون المرأة السابقة شيرين مزاري التي تم اعتقالها 4 مرات متتالية، وهو ما دفعها للاستقالة بحجة “التفرغ لأسرتها”، وسبقها في الاستقالة وزير المعلومات السابق في إقليم البنجاب فياز الحسن تشوهان، ورئيس الحزب في مدينة كراتشي والعضو السابق في البرلمان الباكستاني أفتاب صديقي، والعضو السابق في البرلمان عثمان خان تراكاي.
ولا تزال موجة الاستقالات مستمرة، شملت قيادات شغلوا مناصب وزارية في الحكومة الفدرالية أو الحكومات الإقليمية أو عضوية البرلمان المركزي أو البرلمانات الإقليمية، ووفقا لوسائل الإعلام الباكستانية فقد قارب عدد المستقيلين من الحزب 50 قياديا.
ووفقا لصحيفة “دون” الباكستانية، فإنه خلال جلسة استماع قال قاضي محكمة إسلام آباد العليا لرئيس البرلمان السابق والقيادي في الحزب أسد قيصر، “اعقد مؤتمرا صحفيا وأنه الأمر” في إشارة إلى تقديم استقالته للإفراج عنه.
تجاوز للخطوط الحمراء
وتصاعدت الأزمة السياسية خلال الأسابيع الماضية بعد اتهام الجيش أعضاء في حزب إنصاف بتحريض أنصار الحزب على مهاجمة مقرات للجيش التي تعتبر الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه بالنسبة للجيش.
وقد قالت الحكومة على لسان وزير الدفاع عاصف خواجة إنها تدرس إمكانية حظر حزب إنصاف بسبب أحداث العنف التي وقعت بعد اعتقال عمران خان.
ولم تكن هذه بداية الخلاف بين عمران خان والمؤسسة العسكرية التي تعود منذ وجود خان على رأس السلطة في باكستان، ويرى المحلل السياسي جاويد صديق أن الخلاف يرجع إلى عدة عوامل أهمها:
- سياسات عمران خان الخارجية وطبيعة علاقاته مع الولايات المتحدة.
- رفضه أن تكون للولايات المتحدة قاعدة في باكستان.
- التقارب مع المحور الروسي.
- الفشل على المستوى الداخلي في الأداء الاقتصادي المتواضع.
- حالة الاستياء التي عاشها الشارع الباكستاني نتيجة ارتفاع الأسعار، وهو ما أفقد ثقة المؤسسة العسكرية.
ويضيف جاويد صديق في حديث للجزيرة نت أن عمران خان لم يكن يتوقع أن الجيش الذي جلبه إلى السلطة سوف يدير ظهره له، وكان يتوقع دعم الجيش في مواجهة المعارضة قبل سقوط حكومته.
ويرى صديق أن “مسألة خلاف عمران خان مع الجيش بسبب نفوذ الأخير في الحياة السياسية إلى حد ما صحيحة، فعمران خان وحكومته كانوا تحت نفوذ الجيش، وأحد أسباب خلافه مع قائد الجيش السابق الجنرال قمر جاويد باجوا هو رغبة الجنرال بتغيير رئيس وزراء البنجاب”.
من جهته يقول الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا للجزيرة نت إن الخلاف بدأ بين عمران خان وقائد الجيش السابق بسبب قضيتين رئيسيتين في السياسة الخارجية، هما العلاقات مع الهند والاعتراف بإسرائيل.
بينما يقول المحلل السياسي رعاية الله فاروقي إن عمران خان فشل على الجبهتين الداخلية والخارجية، “فهو لم يستطع تقديم أي معونات للشعب، وفي الوقت نفسه أغضب الدول الصديقة لباكستان”.
ويعتبر فاروقي أن فشل عمران خان داخليا وخارجيا أدى إلى تشويه سمعة الجيش، ولذلك انسحب الجيش من المشهد عام 2021، بحسب حديث فاروقي للجزيرة نت.
مستقبل غامض
موجة الاستقالات المتصاعدة وحملة الاعتقالات في صفوف الحزب والتوجه الحكومي لحظره يعكس رغبة الجيش في ذلك، ويثير التساؤلات حول مستقبل الحزب.
وفي هذا السياق، يقول جاويد صديق إنه لا يعتقد أن ينهار حزب إنصاف لأن بعض القادة المهمين في المجلس الاستشاري لعمران خان لا يزالون معه وأعلنوا دعمهم له.
أما جاويد رانا فيرى أنه على المستوى الشعبي فإن الحزب لن ينهار ولن يفقد شعبيته، لكن على مستوى الهيكل التنظيمي فإن الحزب سوف يواجه العديد من المشاكل.
ويضيف رانا، أنه طالما يوجد دعم شعبي لحزب إنصاف وطالما عمران خان على قيد الحياة فإن حزب إنصاف لن ينهار، وحتى في حال تم حظره، فإن الدعم الشعبي له سيستمر، وربما يتم تشكيل حزب جديد باسم جديد ويديره عمران خان.
بينما يختلف مع ذلك رعاية الله فاروقي الذي يتوقع انهيار حزب إنصاف نظرا لطبيعة قيادة الحزب، ويعلل ذلك بأن الأحزاب السياسية لا يمكن تفادي انهيارها إلا في حالة وجود وريث سياسي لها، على سبيل المثال ورثت بينظير بوتو قيادة حزب الشعب من أبيها ذو الفقار علي بوتو الذي أعدمه الجنرال ضياء الحق، والأمر نفسه مع مريم نواز شريف التي ورثت قيادة حزب الرابطة عن أبيها نواز شريف.
ويتابع فاروقي، أن عمران خان ليس لديه وريث، وفي ظل وجود تضييق عليه فإن الحزب ستتم السيطرة عليه، كذلك فإن عمران خان أصبح كبيرا في السن ولن يستطيع الاستمرار لوقت طويل.
أزمة مستمرة
يعتقد جاويد صديق أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من المحاولات لإضعاف عمران خان وحزب إنصاف، ولا يعتقد في الوقت نفسه أن ينتهي هذا الصراع على المدى القصير.
بينما يقول جاويد رانا إن الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد لن يشهد تحسنا ما لم يتم عقد مصالحة بين الأطراف المتصارعة وبناء على ذلك تجري انتخابات عامة حرة ونزيهة لإنهاء الصراع.
أما رعاية الله فاروقي فيرى أن المشهد يمكن أن يتغير بعد استقالة رئيس القضاة في باكستان، خاصة أن البعض في القضاء ومن ضمنهم قاضي قضاة باكستان عمر عطا بانديال يحمون عمران خان، على حد تعبيره.
ويضيف فاروقي أنه مع وجود هيئة قضائية جديدة فإن عمران خان سيستبعد في 3 قضايا فساد على الأقل، وهذا سوف ينهي الصراع.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.