رغم التاريخ الطويل للسينما المصرية، لا يكاد المشاهد يتذكر مشهدا للحج في الأفلام المصرية، سوى مشهد التوديع المهيب في فيلم “بنت الأكابر” (1953)، حيث الناس في الشارع يغنون حاملين الدفوف، والباشا يمضي لوداع حفيدته ليلى مراد في قصره، والخدم يحملون حقائبه العديدة، فتغني له ليلى أغنيتها من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان رياض السنباطي:
يا رايحين للنبي الغالي
يا ريتني كنت وياكم
وأروح للهدى وأزوره
وأبوس من شوقي شباكه
وقلبي يتملى بنوره
وأحج وأطوف سبع مرات
وألبي وأشوف منى وعرفات
وأقول ربي كتبهالي
وتعد أغنية ليلى مراد “يا رايحين للنبي الغالي” واحدة من أشهر الأغاني التي ارتبطت بموسم الحج، ولا تمر تلك المناسبة إلا وتبث تلك الأغنية عبر الإذاعات والقنوات التلفزيونية.
وفي وقت مبكر من تاريخ السينما المصرية، اهتم الصنّاع بالحج وطقوسه، حيث أنتج استوديو مصر (الذي أنشأه الاقتصادي طلعت حرب) فيلما تسجيليا بعنوان “رحلة الحج”، في أواخر عهد الملك فؤاد الأول، وصدر للفيلم دفتر فخم، يحمل صورة الكعبة المشرفة والملك، ووثق الفيلم تصنيع كسوة الكعبة على أيدي أمهر الفنانين المصريين، ورحلة الكسوة من مصر إلى مكة عبر الصحراء والسفن، وجموع الحجاج خلال مناسك الحج.
التطهر
وقد ظهر الحج في أفلام مصرية روائية معدودة، أغلبها في الخمسينيات، “أفراح” (1950) لنيازي مصطفى، و”إلهام” للمخرج بهاء الدين شرف عام 1950، و”المصري أفندي” (1949) لحسين صدقي، وفيلما “بنت الأكابر” و”دهب” (1953) لأنور وجدي، إضافة إلى فيلم “توحة” (1958) للمخرج حسين صدقي، و”المرأة التي غلبت الشيطان” (1973) ليحيى العلمي.
وفي كل هذه الأفلام ارتبط الحج بالتطهر، ففي فيلم “دهب”، تذهب زينات صدقي للحج للتطهر من أفعالها السابقة، ولا نرى كالعادة رحلتها، فقط تعود وقد تغيرت شخصيتها، وتغيرت طريقتها في الحديث، فتخاطب وحيد (أنور وجدي) قائلة إنها رأت الدنيا فانية، ولا يدوم سوى المعروف.
وفي فيلم “توحة”، تعود البطلة مع زوجها رشاد من مكة في ملابس الإحرام، فيستقبلها أهل حيها الشعبي بالاحتفالات، بدون أن نرى أي مشاهد لشعائر الحج في الفيلم.
وبينما كانت الحاجة في “دهب” تستودع الدنيا وتعطي الحكم، فإن الحاجة في “توحة” لا تزال في مقتبل العمر، وكان الحج بالنسبة لها فصل جديد من حياتها، فقد عادت عروسا وتزوجت ممن أحبته.
إضافة أغنية
في فيلم “بنت الأكابر” بدا كأن أغنية ليلى مراد “يا رايحين للنبي الغالي” حُشرت في الفيلم، ويقال إن ليلى مراد أرادت الذهاب للحج أثناء تصوير الفيلم، وعندما لم يتيسر الأمر، طلبت من المؤلف وضع هذه الأغنية.
وقدمت ليلى مراد الأغنية عام 1953، بعد التشكيك في اعتناقها الديانة الإسلامية، واتهامات أنها أسلمت كي تتزوج من أنور وجدي، ثم شائعات عن دعهما لإسرائيل، لكن قيادة ثورة يوليو/تموز نفت في خطاب رسمي علاقة مراد بإسرائيل.
توبة ونهاية
وعن قصة للأديب توفيق الحكيم، مستوحاة من الحكاية الشعبية الألمانية “فاوست”، قدم المخرج يحيى العلمي قصة شفيقة التي تتحالف مع الشيطان، فتبيع روحها له لمدة 10 سنوات، وتتحول من الخادمة الفقيرة إلى فتاة مشهورة ثرية جميلة. وبعد أن تفشل في قصة حبها، تقرر الخلاص من اتفاقها الشيطاني بالذهاب إلى الحج، ويعرض الفيلم مشهدا تسجيليا للحجاج في الحرم المكي الشريف، بينما يعلو صوتهم “لبيك اللهم لبيك”، بدون أن نرى البطلة.
وتعود شفيقة من رحلتها الإيمانية ولا تزال ترتدي ملابس الإحرام، وترفض دعوة الشيطان (عادل أدهم) لركوب سيارته، وتعلن توبتها “سأهب قصري للبلد، ليكون ملجأ للأيتام، مستشفى، أو مدرسة”، وسرعان ما تصلي وتموت، فيكون الحج هو التوبة النصوحة ونهاية الحياة.
الحل المثالي لكل الصراعات
في كتابه “الأديان على شاشة السينما المصرية”، تحدث الكاتب محمود قاسم عن قلة الأفلام التي تناولت رحلة الحج، وغياب الحج كموضوع رئيس في الأفلام، حيث اقتصر حضوره على حالات عابرة للشخصية الرئيسة في الفيلم أو لإحدى الشخصيات الثانوية، مع تأثير على مجرى الأحداث جزئيا أو كليا.
ويظهر الحج في المشاهد الختامية للأفلام، باعتباره الحل المثالي لكل الصراعات، حيث ينتهي الصراع بين الخير والشر بانتصار الخير متمثلا في توبة البطل بعد رحلة الحج.
ويقول محمود قاسم -في تصريحاته للجزيرة نت- إن غياب مشاهد الحج قد يكون بسبب القرارات المتعلقة بالتصوير أثناء الحج، بالإضافة إلى التكلفة العالية أو الحاجة للموافقات الأمنية.
وأشار إلى أن السنوات الأخيرة لم تشهد حضورا للحج في الأفلام التي أنتجت، واقتصر الأمر على إشارة للحج في سياق كلامي في بعض الأفلام، على غرار أمنيات بزيارة البيت الحرام وأداء مشاعر الحج.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.