القدس المحتلة ـ وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه مجددا أمام تحديات وملفات ساخنة ومشاريع قوانين إشكالية، مع افتتاح الدورة الصيفية للكنيست، مساء الاثنين، في حالة تعكس عمق الصراع والاستقطاب الداخلي بالمشهد السياسي الإسرائيلي.
ومع اتساع دائرة الاحتجاجات ضد خطة وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين لإجراء تعديلات على الجهاز القضائي، أتت محاولات إعفاء “الحريديم” من الخدمة العسكرية بقانون خاص واستبدال ذلك بقانون أساس “تعلم التوراة” كقيمة عليا للدفاع عن الوطن القومي لليهود، وكذلك الحفاظ على قدسية السبت وترسيخ التعاليم التوراتية في الحياة اليومية.
وعلى خلفية احتجاجات إضعاف جهاز القضاء وتقويض صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية، طفت على السطح قضايا وملفات تعمق الصراع والاستقطاب الداخلي، حول علاقة الدين والدولة، وهوية ويهودية الدولة، ومكانة ما يسمى “جيش الشعب”.
وسبق عودة الصراع والتحديات إلى الواجهة البرلمانية، الكشف عن نتائج استطلاعات للرأي لمحطات تلفزة إسرائيلية، التي أظهرت تراجع شعبية نتنياهو والليكود وتراجع قوة الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحالي، وعودة المعارضة للحكم بحال أجريت انتخابات جديدة.
تراجع الشعبية
وأظهرت 3 استطلاعات للرأي العام أجرتها القنوات 11 و13 و14 الإسرائيلية، تراجع شعبية نتنياهو وحزب الليكود إلى أدنى مستوى بحصولها على 25 مقعدا كحد أقصى، وكذلك تراجع القوة البرلمانية للأحزاب المشاركة في الائتلافي الحالي بحصولها (مع حزب الليكود) على 58 مقعدا كحد أعلى، علما أن قوتها الحالية 64 مقعدا.
وبحسب الاستطلاعات، ستتمكن أحزاب المعارضة الحالية من الحصول على 67 مقعدا، وسيكون بمقدورها حتى في حال عدم حصولها على دعم القائمة العربية “الجبهة والتغيير” التي تمنحها استطلاعات الرأي 5 مقاعد، تشكيل ائتلاف حكومي يعتمد على 62 مقعدا، علما أن قوتها البرلمانية الحالية 51 مقعدا.
وأشارت نتائج الاستطلاعات إلى تراجع شعبية نتنياهو وحصوله على 34% من الأصوات التي ترى أنه الأنسب لتشكيل الحكومة، في حين حصل “المعسكر الوطني” على 30 مقعدا ورئيسه بيني غانتس على 48% من الأصوات، وهي النتائج التي تشير إلى أن نتنياهو لن يتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة بحال الذهاب إلى انتخابات برلمانية.
وحيال هذه المستجدات واستطلاعات الرأي، وضع نتنياهو في سلم أولوياته ترميم وضعية الليكود وإخماد الصراعات الداخلية أو أي بوادر لمحاولات التمرد، وذلك من خلال السعي لتمرير قوانين ذات طابع اجتماعي اقتصادي.
وفي مسعى لاستعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي، يراهن نتنياهو وحكومته على محاربة غلاء المعيشة، وخفض أسعار المنتجات الأساسية، وإلغاء رسوم التعليم الجامعي للجنود، والتعليم المجاني من جيل الطفولة المبكرة، وكذلك إيجاد صيغة توافقية لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
سيناريوهات ومراوغات
وفي قراءة لمعان ودلالات استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع شعبية وقوة الليكود ونتنياهو وأحزاب الائتلاف الحكومي، يعتقد محلل الشؤون السياسية والحزبية محمد مجادلة، أنه كلما انخفضت الرسوم البيانية التي تظهر أن عدد مقاعد الائتلاف في تراجع انخفضت الاحتمالات لتفكيك الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة.
ومع استحالة إمكانية تشكيل نتنياهو لأي حكومة مقبلة، أكد مجادلة للجزيرة نت أنه لن تكون هناك انتخابات جديدة للكنيست في المرحلة المقبلة، لافتا إلى إمكانية توجه نتنياهو إلى إحداث تغييرات في تركيبة الحكومة.
وعزا ذلك إلى أن كافة الأحزاب التي تشكل الائتلاف تعي جيدا وعلى قناعة أن حل تفكيك الحكومة الحالية، وحل الكنيست والتوجه مجددا إلى صناديق الاقتراع بمثابة انتحار سياسي سيدفع بها إلى كرسي المعارضة ويبعدها عن مقاليد الحكم والتأثير.
لكنه لا يستبعد سيناريو الانتخابات في حال حدث أمر أو تطور بالغ الأهمية والتوقعات، التي قد تضع نتنياهو أمام الكثير من التحديات خلال الدورة الصيفية البرلمانية، وهي التحديات والعراقيل التي يسعى نتنياهو لتذليلها وتجاوزها لتجنب سيناريو انتخابات جديدة.
وأمام هذه التحديات، يقول مجادلة إن نتنياهو سيراوغ في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع أحزاب المعارضة برعاية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بشأن التعديلات القضائية، حيث يسعى لكسب الوقت من أجل المصادقة على التعديلات مع بعض التغييرات الشكلية.
تحديات وتغييرات
وأوضح أن نتنياهو قد يصل إلى قناعة في حال تمكن من مواجهة التحديات إلى ضرورة إجراء تغييرات في الائتلاف الحكومي والاستغناء عن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش واستبدالهما بـ”المعسكر الوطني” برئاسة غانتس، الذي بات يحظى بشعبية عالية والمرشح الأقوى لتشكيل الحكومة المقبلة في حال أجريت انتخابات جديدة.
ولا يعتقد مجادلة أن نتنياهو أو أي رئيس وزراء مقبل يمكن أن ينجح في رأب الصداع وإيقاف التفكك المجتمعي واحتواء الصراع بإسرائيل، مشيرا إلى أن ملامح هذا الصراع تبلورت منذ “قيام إسرائيل” التي سعت كافة الحكومات المتعاقبة لتجنبه بتصدير أزمة الصراع الداخلي إلى الخارج.
ورجح أن الصراع الداخلي سيتعمق في الوقت الذي ما زالت إسرائيل تعرف نفسها على أنها يهودية وديمقراطية، وهو التناقض الذي سعى التيار الديني وكذلك العلماني الليبرالي حتى منذ عهد رئيس الوزراء الأول ديفيد بن غوريون، إلى حسمه من خلال الرهان على الانصهار.
صراعات وأزمات
الطرح ذاته تبناه المحلل السياسي عكيفا الدار، الذي أوضح أن نتنياهو يقف قبالة الكثير من التحديات، ولعل أبرزها التعديلات القضائية، والإكراه الديني، وتقويض الحريات، وإعفاء الحريدية من الخدمة العسكرية، والمصادقة حتى نهاية مايو/ أيار الحالي على الميزانية العامة للدولة.
وأوضح أن عدم تمرير الميزانية يعني حل الكنيست بشكل فوري والتوجه إلى انتخابات تشريعية جديدة، قد تكون نتائجها كارثية على نتنياهو والليكود على وجه التحديد، وهو ما يعكس عمق الصراعات والأزمات الداخلية وعدم استقرار الحكم بإسرائيل.
ولتجنب هذا السيناريو، رجح الدار للجزيرة نت أن نتنياهو سيمعن في القيام بالكثير من الخطوات والإجراءات الشعبوية بهدف استعادة شعبيته وثقة الجمهور الإسرائيلي، وامتصاص حالة الغضب عقب إصداره قرارا بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، والتعامل مع الجيش، والتعديلات القضائية، وكذلك إشكاليات التعامل مع الفلسطينيين، وسبل معالجة ملف سوريا والنفوذ الإيراني.
ابتزازات وتعديلات
وعليه، استبعد عكيفا الدار أن تقدم الحكومة على تفكيك ذاتها والتوجه لانتخابات جديدة، مشيرا إلى أن نتنياهو سيبقى تحت الابتزاز ورهينة الأحزاب الدينية والحريدية واليمينية المتطرفة لضمان بقاء الحكومة، لكنه قد يلجأ إلى تغييرات في الائتلاف.
وعزا المحلل السياسي سيناريو إجراء نتنياهو لتعديلات على الائتلاف الحكومي إلى كبح شعبية وتعاظم قوة تيار غانتس في المعارضة، حيث إن إشراكه في الائتلاف سيضع غانتس في دائرة الشراكة والمسؤولية.
ويعتقد أن نتنياهو تعززت لديه قناعات أن الائتلاف الحكومي الحالي غير مرغوب به إقليميا وعالميا، لذا يراهن على تغيير الائتلاف للعودة لمسار العلاقات مع هذه الأطراف.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.