مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- بعد 11 أسبوعا من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، تصاعدت الاشتباكات ودخلت مرحلة “كسر العظم”، ويتوقع مراقبون أن تتحول الجهود الأفريقية لحل الأزمة إلى مواجهة دبلوماسية بعد تبني مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مقترحات الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد” بجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح.
وعرض الاتحاد الأفريقي في نهاية مايو/أيار الماضي خريطة طريق لحل أزمة السودان بمشاركة جهات من خارج الاتحاد تستند إلى وقف إطلاق النار ومعالجة الأوضاع الإنسانية والدخول في عملية سياسية لتسوية الأزمة.
لكن مجلس السيادة السوداني رفض التجاوب مع الخطة نسبة لتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012، وعدم مشاورته، ما أدى إلى توتر في العلاقة بين الخرطوم ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي الذي تتهمه دوائر رسمية سودانية بعدم الحياد وتبني أجندة جهات أجنبية تقف خلف قوات الدعم السريع.
وقبل يومين، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والمؤلف من 15 دولة، تأييده بالكامل خطة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد” بشأن النزاع في السودان، وهي الخطة التي تدعو إلى أن تكون العاصمة الخرطوم منزوعة السلاح، وبوقف غير مشروط للأعمال العدائية وبدء عملية سياسية شاملة.
وأكد مجلس السلم والأمن الأفريقي أن عملية سياسية، تجمع أصحاب المصلحة الرئيسيين هي المخرج للأزمة، كما حذر من سماهم “منتهكي القوانين الدولية لحقوق الإنسان” في السودان من أنهم سيحاسَبون على أفعالهم.
السودان يرفض
وتدعو مقترحات “إيغاد” -التي تبناها مجلس السلم والأمن الأفريقي- إلى خروج القوات العسكرية من الخرطوم مسافة 50 كيلومترا، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة، على أن تقوم قوات الشرطة والأمن بتأمين المرافق العامة.
لكن “مالك عقار” نائب رئيس مجلس السيادة وصف المقترحات بأنها مبادرة للاحتلال وليس حلا للأزمة، مؤكدا “رفض الحكومة أي مبادرة لا تحترم سيادة السودان وتتدخل في شؤونه الداخلية”.
وفي السياق، قال سفير رفيع المستوى في الخارجية السودانية إن “مجلس الأمن الأفريقي تبنى مقترحات منظمة إيغاد بعدما وجدت مفوضية الاتحاد الأفريقية نفسها خارج دائرة الفعل في الأزمة السودانية بعدما كانت تتبضع في بعض الأزمات الأفريقية”.
ووفق حديث السفير للجزيرة نت، فإن رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي الذي كان متعنتا في رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد، دعا في مايو/أيار الماضي دول ومنظمات وشخصيات من خارج الاتحاد، وأقر خريطة لحل الأزمة متجاهلا السودان صاحب الشأن لفرض رؤية جهات تريد أن تجد مخرجا لحل أزمة قوات الدعم السريع وليس معالجة الأزمة السودانية، كما أخفق في تجميع كل المبادرات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وأوضح السفير السوداني أن موسى فكي لم يستطع أن يتدخل في الحرب بين الحكومة الأثيوبية وإقليم تيغراي رغم أن أديس أبابا هي مقر الاتحاد الأفريقي، واعتبرها تمردا داخليا من جبهة تحرير تيغراي، بينما اعتبر أزمة السودان صراعا بين طرفين، وقد أخفقت المفوضية التي يرأسها في معالجة النزاعات في 11 دولة أفريقية.
وأضاف أن السودان لن يتعاطى مع هذه المقترحات “المفخخة” ووصفها بأنها مستفزة وتنتهك سيادة البلاد بدعوتها إلى خروج الجيش من عاصمة بلاده وتساوي بين جهة شرعية ومليشيا تمردت عليها، وتقف وراءها جهات تخدم أجندة أجنبية، وفق قوله.
وحذر من أن السودان يمكن أن يجمّد عضويته في الاتحاد الأفريقي إذا استمرت مفوضيته في تجاوزه بشأن قضاياه، وتبني خطوات تأتيها من خارج الأسوار الأفريقية، لافتا إلى أن المغرب جمد عضويته في المنظمة الأفريقية 33 عاما على خلفية قضية الصحراء الغربية قبل أن يعود إليها.
لماذا الخرطوم وليس دارفور؟
وفي الشأن ذاته يتساءل الباحث والخبير في الشؤون الأفريقية علي التجاني عن دوافع تبني الاتحاد الأفريقي مقترحات تدعو إلى جعل الخرطوم منزوعة السلاح ونشر قوة أفريقية في العاصمة لحراسة مؤسسات إستراتيجية.
ويرى التجاني -في حديث للجزيرة نت- أن المنطقي هو الدعوة إلى نشر قوات أفريقية في بعض مناطق دارفور التي تشهد تطهيرا عرقيا وجرائم ضد الإنسانية، كما حدث في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، التي قُتل فيها ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، وهُجّر أهلها إلى تشاد المجاورة، وكذلك ما حدث في منطقة كتم بولاية شمال دارفور.
ويوضح الخبير أن دارفور كان فيها قوات أممية أفريقية مشتركة “يوناميد” وساهمت في حماية المدنيين بشكل كبير قبل مغادرتها، وكان من الممكن أن يسعى الاتحاد الأفريقي إلى جعل بعض مناطق دارفور التي تشهد قتالا قبليا ونزاعات على أساس عرقي منزوعة السلاح بدلا من جعل العاصمة منزوعة السلاح، لافتا إلى أن المقترح يدعو إلى التشكيك في دوافعه بصيغته الحالية.
ويضيف الخبير الأفريقي أن قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي ملزمة لأعضائه، لكن عضوية السودان معلقة، وحتى إذا عبرت المقترحات الأفريقية إلى مجلس الأمن فثمة صعوبة في إقرارها بسبب تباين المواقف تجاه الأزمة السودانية مثلما عكست جلسات المجلس الأخيرة.
ويرجح أن يكون منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والسعودية هو الأنسب للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع وتوسعة المنبر بإضافة دول ذات تأثير على المشهد السوداني وإشراك القوى السياسية السودانية للتوصل إلى مساومة توقف الحرب وتجد صيغة للتعاون بين العسكريين والمدنيين وتعيد البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.