نظمت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، عددا من اللقاءات والفعاليات الثقافية في جمهورية بلغاريا، وذلك في إطار جولة للفريق الإعلامي للجائزة للتعرف على واقع الترجمة بين اللغتين البلغارية والعربية، بمناسبة اختيار البلغارية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز للموسم التاسع من الجائزة.
وتضمنت الجولة التي نسّقت برنامج فعالياتها المترجمة مايا تيزينوفا، زيارة دار نشر “ريزوما” (Rhizoma) لصاحبها توماس هوبنر وشريكته إليتا هوسينوفا بمرافقة المترجمة ميرا بوبوفا.
وقال هوبنر إن الدار التي يعني اسمُها بالعربية “الجذمور – الجذور أو الأصول”، متخصصة بترجمة الأدب، الذي يؤمن بأنه سبب في تغيير العالم نحو الأفضل. وتحدث عن تجربته في نقل الأدب العالمي إلى البلغارية، مؤكدا أن الأدب العربي غني ويستحق الترجمة إلى اللغات الأخرى.
الترجمة بين العربية والبلغارية
وأوضح هوبنر أن نشر الترجمات من العربية إلى البلغارية، وتحديدا في حقل الأدب، ما زال في بداية الطريق، مشيرا إلى أنهم يتعاونون مع عدد من أمهر المترجمين، ومنهم مايا تيزينوفا التي ترجمت شعر محمود درويش إلى البلغارية.
وقال إن الدار تعتمد معايير محددة لانتقاء الأعمال الأدبية لغايات الترجمة، ومن بينها الذائقة الخاصة، واتسام العمل المراد ترجمته بالمعاصرة، وتحقيقه الإمتاع للقارئ، فضلا عن طرحه قضايا اجتماعية وإنسانية راهنة.
وبيّن أن انتشار أعمال مترجمة تتسم بالرداءة في السوق البلغارية، دفعه إلى الحرص على اختيار مترجمين أكْفَاء وذوي خبرة، مع مراعاة أن تكون الترجمة من اللغات الأصلية لا عبر اللغات الوسيطة، مشيدا بتجربة الشاعر الفلسطيني المقيم في بلغاريا خيري حمدان الذي عُرف بترجماته من العربية إلى البلغارية.
وعبّر هوبنر عن سعادته بنهج إدارة الجائزة باختيار لغات جديدة سنويا، بما يتيح المجال للحضارات والثقافات الإنسانية للتفاعل.
من جهتها، تحدثت الدكتورة حنان الفياض، المستشارة الإعلامية لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، عن فكرة الجائزة وأهدافها وغاياتها وقيمتها المالية. وأكدت أهمية اختيار البلغارية ضمن لغات الجائزة لهذه الدورة في إثراء تجربة التبادل الثقافي والمعرفي بين اللغتين والثقافتين العربية والبلغارية.
كتب تراثية
وفي إطار الجولة، زار الوفد دار النشر التابعة لدار الإفتاء العام في صوفيا، والتقى المسؤول عنها جمال الخطيب الذي عرّف بها وبمسيرتها ومنشوراتها.
وأوضح الخطيب أن الدار توجه اهتمامها للكتب التراثية الإسلامية التي تتم ترجمتها من العربية والتركية والإنجليزية، مشيرا إلى أن عدد الكتب التي تتولى الدار إصدارها مترجمة من العربية يشكّل ثُلث عدد الكتب المترجمة من العربية في بلغاريا.
ولفت إلى أن آلاف النسخ من ترجمات معاني مفردات القرآن الكريم وبعض الكتب الدينية تباع سنويا في بلغاريا التي يبلغ عدد الجالية المسلمة فيها حوالي 700 ألف نسمة، ما يكشف تعطش القُراء للكتب المترجمة من العربية، بخاصة تلك المتعلقة بالشريعة والفقه والتراث الإسلامي.
وأشار الخطيب إلى أن مدارس تعليم الإسلام بدأت بالظهور في بلغاريا منذ عام 1992، منوها بدور دار النشر التابعة لدار الإفتاء العام في تنشيط الحركة الدينية، لا سيما أنها تحظى برعاية الدولة رسميا.
وهذا ما يفسر إسناد مهمة الترجمة إلى أساتذة ذوي خبرة عالية، بعضهم خريجو المملكة العربية السعودية، ومن أبرزهم آيهان سلمان، ورضوان كاديوف، وتيزفيتان توفانوف الذي ترجم معاني مفردات القرآن الكريم وتفسير الطبري.
كما قام الوفد الإعلامي للجائزة بزيارة دار نشر “الشرق-الغرب” (Iztok-Zapad)، واطلع على باقة من إصداراتها في مجال الترجمة، ومن آخرها كتاب “دار الإسلام” الذي يضيء على تاريخ الفكر الإسلامي ودوره في المسيرة الإنسانية.
التثاقف بين عالمين
وقال صاحب الدار، لوبين كوزاريف، إنهم يسعون لنشر الكتب التي تسهم في المثاقفة وتحتفي بروح التسامح، مضيفا أن الدار أصدرت ترجمة “ألف ليلة وليلة” من النسخة الأصلية العربية، ووجهت جهودها لترجمة الأعمال الفكرية الإنسانية، ومنها كتاب العالم الإيطالي فرانكو كارديني “أوروبا والإسلام”. وبيّن أن لديهم علاقات مع قسم اللغة العربية بجامعة صوفيا سعيا لإيجاد جيل جديد متحمس للترجمة.
وأوضح كوزاريف أن الترجمة من العربية وإليها تعد مسألة شائكة، وذلك بسبب قلة المترجمين ممن يعرفون العربية، آملا توثيق صلات التعاون مع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، ومؤكدا أنهم منفتحون تجاه أي مقترحات من إدارة الجائزة لتعزيز حضور الفكر العربي والإسلامي في الثقافة البلغارية.
وعلى صعيد متصل، التقى الوفد أعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بكلية اللغات الكلاسيكية والحديثة بجامعة صوفيا.
وتحدث في اللقاء الدكتور سيمون إيفيستاتيف، مبينا أن هذا القسم الذي يتولى رئاسته يعدّ من أكبر المراكز التعليمية التي تدرّس اللغة العربية في شرق أوروبا، ويلتحق به حوالي 40 طالبا سنويا، لكن معظمهم يتسربون في السنوات الأولى لصعوبة اللغة من جهة ولتعدد اهتماماتهم من جهة ثانية. ورغم ذلك فقد تخرج بالقسم حتى اليوم حوالي 200 طالب درسوا اللغة العربية وتوجهوا للعمل في سفارات بلادهم ومراكزها الدبلوماسية.
وأكد إيفيستاتيف أن دراسة العربية تكتسب أهمية خاصة، لكونها لغة حية يمكن لدارسها أن يطّلع على نصوص القرون الوسطى، فضلا عن أنها تقع في قمة الهرم للغات المختلفة لارتباطها بالحضارة الإسلامية ونشر الإسلام.
وفي السياق نفسه، أكدت الدكتورة امتنان الصمادي أهمية الترجمة في فعل المثاقفة تاريخيا منذ انطلاق الحضارة الإسلامية، لهذا شجّع الخلفاءُ المترجمين لينقلوا منجزات الحضارات السابقة إلى العربية، مما شكّل دافعا رئيسا لتطوير الحضارة الإنسانية والاستفادة من منجزات الفكر الإنساني ولتصبح الحضارة العربية الإسلامية حلقة مهمة في سلسلة حلقات التطور البشري.
ولفتت الصمادي إلى خصوصية جائزة حمد للترجمة والتفاهم الدولي، لكونها تؤمن بأهمية اللغات في العالم دون سيادة لغة على أخرى، ومن هذا الباب طرحت لجنة الجائزة اللغة البلغارية في موسمها التاسع.
أهمية الجائزة
وأكد عدد من الحاضرين وأصحاب دور النشر أهمية الجائزة التي تشكل تشجيعا لهم وتمنح الكاتب البلغاري الفرصة للاطلاع على الأدب العربي. واقترحوا استحداث مِنَح تتيح للطلبة الذين يدْرسون العربية الفرصةَ لقضاء برهة زمنية في رحاب جامعات ومعاهد عربية لتشكّل لهم تحديا لقدراتهم المعرفية بهذه اللغة ولتساعدهم في تخطي عقبات تعلّمها بسهولة.
وفي إطار الجولة التي استمرت 4 أيام، التقى الوفد سنيجانا يوفيفا ديميتروفا، مديرة المعهد الثقافي الحكومي التابع لوزير الخارجية في بلغاريا.
وقالت ديميتروفا إن المعهد ينظم العديد من النشاطات والندوات والمعارض، ويعنى بإدارة المقتنيات الفنية الخاصة بوزارة الخارجية، إذ يشرف على أكثر من 3 آلاف لوحة فنية تُعرض ضمن معارض متنقلة في أنحاء العالم بالتعاون مع البعثات والسفارات البلغارية. كما تتاح للجمهور من خلال المعارض الافتراضية.
وأوضحت أن المعهد عضو في شبكتين دوليتين، إحداهما الشبكة العالمية للدبلوماسية الثقافية ومقرها الدوحة، مشيرة إلى أنها زارت الحي الثقافي-كتارا في الدوحة واطلعت على مجموعة من النشاطات فيه، بخاصة في المتنزهات العامة التي استُخدمت لعرض المنحوتات، مبديةً إعجابها باهتمام دولة قطر بالشأن الثقافي والمشهد الثقافي العالمي.
وأكدت ديميتروفا استعدادها للتعريف بالجائزة في أوساط المثقفين والمترجمين وتحفيزهم على المشاركة بها، واستضافة فعاليات لعرض الكتب المترجمة في المؤسسات المعنية بالثقافة، مشيرة إلى أنهم سبق أن دعموا مبادرة لترجمة الشعر البلغاري بالتعاون مع بيت الأدب والترجمة.
دور الترجمة
بدورها، استعرضت الدكتورة حنان الفياض الدور التاريخي للترجمة بين الحضارات، وأهمية رسالة الترجمة في تنشيط الحوار الإنساني في زمن الصراعات والتجاذبات، وقالت إن الجائزة تهدف إلى تشجيع المترجمين ونشر السلام والتسامح والمحبة في العالم، وإن الجائزة تتخذ منهجا مغايرا عن مثيلاتها من حيث فلسفتها في التنوع وعدم التركيز على لغة واحدة.
كما اجتمع الوفد الإعلامي للجائزة مع إدارة اتحاد المترجمين في بلغاريا، والتقى عددا من المترجمين البلغار من العربية وإليها في بيت الأدب والترجمة.
وتحدث رئيس الاتحاد خيري حمدان عن جهود البيت، مؤكدا أن فعل الترجمة يحتاج للدعم. بينما استعرضت يانا ترابوفا تاريخ البيت الذي اتخذه رسام بلغاري بارز مرسما له في ثلاثينيات القرن الماضي، وعرضت كتبا مترجمة إلى لغات العالم، مبدية أسفها لقلة الترجمات العربية، ومشيرة إلى أنهم يهتمون باللغات الهامشية والنادرة لأنهم يؤمنون بأن صوت الثقافة الإنسانية يجب أن يُسمع.
وبينت ترابوفا أنهم نظموا برنامجَ تعاون للترجمة بين دول أوروبا الشرقية والدول العربية، وحصلوا على جائزة في هذا المجال، لافتة إلى أن معظم ما يُترجم من العربية حتى الآن يقوم على جهود المترجمين الفردية، وأن تعميم الأدب العربي في أوروبا يتطلب جهودا مؤسسية كبيرة.
وأكد المشاركون في اللقاء أن المِنَح والمبادرات التكريمية من شأنها تعزيز ثقة المترجم بدوره ورسالته، ودفعه إلى التفرغ للإنجاز، وهذا ما يعولون عليه في جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي.
وفي إطار الجولة، التقى الوفد الإعلامي للجائزة هيئة التدريس في الجامعة البلغارية الجديدة.
وعرّفت الدكتورة نيديلا كيتيفا -مترجمة رواية “فيزياء الحزن” لغريغوري غوسبودينوف- بقسم اللغة العربية الذي يضم مدرسين من بينهم الدكتورة ماريانا، رئيسة كلية الدراسات الشرقية التي ترجمت كتبا عن حقبة الخلافة العثمانية، كما ترجمت لابن عربي “ترجمان الأشواق” و”الصفحات المشرقة من سيرة الرسول”؛ والدكتور فيلين بيليف الذي ترجم لأبي حامد الغزالي “المنقذ من الضلال”.
الدراسات الشرقية
من جهته، قال ديميتير تريندافيلوف نائب رئيس الجامعة إن الجامعة تفتخر بوجود قسم للغة العربية فيها، وإنها تُصدر مجلة للدراسات الشرقية تشتمل على باب للترجمات من المصادر العربية وخاصة الفلسفة، ومن بينها ترجمات من الغزالي وابن طفيل والكندي وابن رشد، مؤكدا استعدادهم لتوقيع اتفاقيات مع الجانب العربي.
وأوضح أن قسم اللغة العربية يشهد التحاق 10 طلاب سنويا، وأن ما يزيد على 30 طالبا ينتظمون في دراسة اللغة العربية كمقرر، لأن العربية تصنَّف من اللغات الإجبارية التي ينبغي للطلبة دراستها، وهناك إقبال متزايد لتعلّمها.
وكانت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي فتحت في مطلع فبراير/شباط الماضي باب الترشح والترشيح لدورتها التاسعة لعام 2023 ضمن فئتين: فئة الكتب المفردة في اللغتين الرئيسيتين (الإنجليزية والإسبانية)، وفئة الإنجاز التي تشمل البلغارية والسندية والصومالية لغاتٍ فرعية إلى جانب اللغتين الرئيسيتين.
يُذكر أن الترشح والترشيح للجائزة التي تبلغ قيمتها الإجمالية مليوني دولار أميركي، يتم إلكترونيا عبر الموقع الرسمي للجائزة، علما أن آخر موعد لتسلم الترشيحات هو 31 يوليو/تموز المقبل.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.