القدس المحتلة – لا يزال صدى احتفالات المستوطنين بذكرى احتلال شرقي القدس أو ما يسمونه “يوم توحيد القدس”، صاخبا. وتحاول الحكومة الإسرائيلية تمرير المزيد من المشاريع والميزانيات الرامية لتهويد المدينة في الذكرى الـ56 لاحتلالها.
وكان من اللافت خلال الأيام الأخيرة افتتاح جسر المشاة المعلق أعلى حي وادي الربابة ببلدة سلوان بعد ابتلاع أراضيها ضمن المشاريع التهويدية التي تستهدف محيط المسجد الأقصى.
وليس بعيدا عن الجسر التهويدي، اجتمعت حكومة الاحتلال الإسرائيلية مع ممثلي جماعات الهيكل المتطرفة في أحد الأنفاق المجاورة للمسجد الأقصى، بهدف تعزيز التنسيق والتكامل بين الجانبين في إطار تهويد المسجد وتغيير هويته.
وخلال الاجتماع، أطلق الوزراء وأعضاء الكنيست والحاخامات تصريحات فظّة تتحدث عن الحق اليهودي في هذا الموقع المقدس للمسلمين، وأهمية تكثيف الجهود لتحقيق أجندات جماعات الهيكل المتطرفة الرامية لبناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى.
الهدف.. إزالة الأقصى
وحول تأثير حضور جماعات الهيكل المتطرفة في تسريع أجندة تهويد الأقصى، وإلى أين يمكن أن تصل هذه السياسة؟ يقول الباحث المختص في شؤون القدس زياد ابحيص إن الهدف النهائي لجماعات الهيكل واليمين الإسرائيلي هو “الإحلال الديني” بإزالة المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته من الوجود، وتأسيس “الهيكل المزعوم” مكانه وعلى مساحته كاملة.
وفي طريقها لتحقيق هذا الهدف، تبنّت جماعات الهيكل والحكومة الإسرائيلية -وفقا للباحث ابحيص- أهدافا مرحلية تراها أقرب إلى التحقق، وهي بشكل متسلسل:
- التقسيم الزماني.
- التقسيم المكاني.
- التأسيس المعنوي للهيكل عبر فرض الطقوس التوراتية في الأقصى.
من الهامش إلى المركز
أما عن الصعود التاريخي لجماعات الهيكل في الحكومات الإسرائيلية، فأوضح ابحيص أن تيار الصهيونية الدينية آخذ في الصعود والتحول من الهامش إلى المركز.
ويوضح أن أول نائب لتيار الصهيونية كان مائير كاهانا، الذي دخل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عام 1984، وعندما قرر الترشح للانتخابات عام 1988 سُنّ قانون خاص لمنعه من ذلك، وكان هناك اتفاق على تجريم فكرة “الصهيونية الدينية” وإبقائها خارج المشهد السياسي.
ثم عاد تيار “الصهيونية الدينية” واستعاد قدرته على الدخول للكنيست عام 2002 من خلال الحزب القومي الديني، ومنذ ذلك الحين تصاعد حضور “جماعات الهيكل” في الحكومات المتعاقبة، وفي عام 2015 امتلكوا نفوذا وزاريا لأول مرة بعدما كانوا يحصلون على منصب “نائب وزير”.
و”الصهيونية الدينية” عموما هي طيف سياسي يميل لعدم المشاركة في الحكومة، بل لتشكيل مليشيات تفرض آراءها متّخذة الدولة غطاء لها. لكن في فكرة الهيكل تحديدا، حاولت الجماعات اختراق المجتمع والأنظمة السياسية من خلال منظمات رسمية مرخصة، كما يقول ابحيص.
وشكلت المنظمات والحركات المشتتة عام 2013 “اتحاد منظمات الهيكل”، وبلغ عددها في ذلك العام 24 مؤسسة. أما اليوم فتندرج تحت مظلة الاتحاد 46 مؤسسة، مما يؤكد التصاعد التدريجي لمنظومة مؤسسات الهيكل من ناحية العدد والتنظيم والتماسك والقدرة على حشد التمويل، بالتزامن مع القدرة على الصعود النيابي والحكومي.
وهكذا، انتقلت الجماعات المتطرفة من أسلوب تشكيل المليشيات والتعبير عن نفسها خارج النظام إلى تشكيل مؤسسات وامتلاك النظام، وفقا للباحث المقيم في الأردن.
وعن نفوذ جماعات الهيكل في الحكومة الإسرائيلية الحالية، يقول ابحيص “إننا أمام حكومة تتحكم بها الصهيونية الدينية لأن جماعات الهيكل ليست موجودة في إطار واحد أو في حزب “القوة اليهودية” فحسب، بل في الليكود أيضا، ونصف النواب والوزراء الذين حضروا الاجتماع الأخير في أحد الأنفاق بجوار المسجد الأقصى هم من الليكود.
ويضيف ابحيص “في حكومة نتنياهو المكونة من 31 وزيرا، هناك 16 يحسبون على كتلة جماعات الهيكل لأنهم يتبنون مقولاتها ويعملون على تحقيقها، وهذا يعني أنهم يؤيدون بناء الهيكل مكان الأقصى، ويعملون كل ما يستطيعون لتحويله من مقدس إسلامي خالص إلى مشترك، مع توظيف كل إمكانيات الدولة العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية لتحقيق ذلك”.
أجندة عابرة للأحزاب
ويرفض الباحث ابحيص حصر الحديث عن أجندة تهويد المسجد الأقصى في ابتزاز الوزير المتطرف إيتمار بن غفير لنتنياهو، مبيّنا “نحن أمام حالة تحول عميقة تجعل الإيمان بأجندة الهيكل حالة عابرة للأحزاب، وبالتالي هم يذهبون لفكرة تبني الهيكل مختارين لا مضطرين”.
من ناحيته، يقول رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات إن العلاقة الوطيدة بين الحكومة الإسرائيلية وجماعات الهيكل المتطرفة قديمة، لكن لم يكن يُكشف عن عمقها كما الآن.
وأضاف بشارات، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الجماعات كانت تتلقى دعما خفيا لكنه اليوم معلن بوضوح، ومعظم قادة منظمات الهيكل والجمعيات الاستيطانية يحصلون على جوائز الدولة؛ فزعيم جمعية “إلعاد” الاستيطانية حاز على جائزة الدولة بعد انتهاء الحفريات أسفل بلدة سلوان المجاورة للأقصى لأنه “أعاد إظهار مدينة داود” حسب زعمهم.
وفي تعقيبه على الاجتماع الأخير بين الحكومة وجماعات الهيكل في الأنفاق المحيطة بالأقصى، قال بشارات إن الأمر ليس مستهجنا ويحدث بشكل مستمر داخل مكاتب الحكومة، التي تنسق مع الجماعات وتُدرج خطواتها وتظهرها للعلن متى تشاء.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.