مع زيادة ظاهرة الاحترار والتغير المناخي العالمي، يتنامى أدب “الخيال المناخي” بسرعة هائلة ليصبح نوعا أدبيا مستقلا متفرعا من الخيال العلمي، ويتزايد -على التوازي- الروائيون والشعراء الذين يتصورون أزمة مستقبلية أكثر خطورة، ويقول نقاد إن الأجناس الأدبية كانت بطيئة في التعامل مع ظاهرة التغير المناخي لكن جنس الرواية يعوض ذلك التأخر حاليا.
وإذ يفكر القراء في القصص أكثر من البيانات والأرقام، كما يقول مختصون بعلم النفس، تلعب روايات الخيال المناخي دورا كبيرا في الوعي والتحذير من خطورة الظاهرة، خاصة مع كوارث مناخية تتزايد وتيرتها مثل حرائق الغابات والأعاصير والفيضانات وذوبان الأنهار الجليدية.
ورغم أن المنطقة العربية تعاني من تأثيرات مضاعفة لتغير المناخ إذ تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا احترارا يعادل ضعفي المتوسط العالمي، فقد جاء أدب الخيال المناخي العربي محدودا بعدد قليل من الروايات والقصائد.
ومن أبرز تلك الروايات العربية “2022” التي أصدرها الناشر والكاتب اللبناني غسان شبارو عام 2009، وتتبع ناشطة بيئية لبنانية تعارض رجل أعمال لا يهمه سوى الثروة والسلطة ولو على حساب الكوكب، وكذلك رواية الأديب المصري عبد الحكيم قاسم “قدر الغرف المقبضة” (عام 1982)، و”فساد الأمكنة” لصبري موسى (عام 1973)، وعدد من الروايات التي تعالج بؤس الواقع العربي وتأثره بالتلوث مثل أعمال للروائيين العراقيين ضياء جبيلي وحسن بلاسم، وكتابات المصريين أحمد ناجي ومحمد فهمي (جنزير) وغيرهم.
وفيما يلي بعض الروايات العالمية التي عالجت قضية التغير المناخي، وصنفت من أدب “الخيال المناخي” الحديث:
“رأسا على عقب”
تعد أعمال الأديب الفرنسي جول فيرن من أقدم الروايات التي تؤسس “الخيال المناخي” إلى جانب روايات مثل “الريح من أي مكان” للبريطاني جي بالارد الذي يروي فيها تراجع الحضارة البشرية بسبب ارتفاع منسوب المياه والأعاصير المستمرة.
وفي رواية جول فيرن التي صدرت عام 1889 “رأسا على عقب” أو “شراء القطب الشمالي” كتب رائد الخيال العلمي الحديث قصة مشروع هندسي طموح لتغيير ميل محور الأرض وجعله عموديا مثل كوكب المشتري، لكن هذا التغيير سيؤدي لإنهاء الفصول الأربعة وتساوي الليل والنهار وثبات المناخ في كل مكان بالعالم على مدار السنة.
ومع ذلك، كانت الآثار الجانبية لهذه الخطة الطموحة هائلة، إذ كان متوقعا أن تغمر المياه العديد من البلدان الآسيوية، بينما ستكسب بلدان أخرى -مثل أميركا- أراضي يابسة جديدة. وقد أثارت الفكرة حالة من الذعر والغضب، وتم إيقاف المشروع والقبض على القائمين عليه نتيجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة.
وفي الواقع، فإن المشروع الهندسي الذي تخيله فيرن يكاد يكون مستحيلا من الناحية العلمية، لكن الآثار الكارثية لتغير المناخ في القرن 21، وارتفاع سطح الماء واحتمال غمر مدن ساحلية به، ليست قصصا خيالية تنتمي لأدب “التغير المناخي” وإنما باتت واقعا ملموسا.
وعرف فيرن بتنبؤاته المبكرة، فقد روى في “من الأرض إلى القمر” قصة إرسال 3 رواد لسطح القمر قبل قرن تقريبا من رحلة الرائد الفضائي نيل آرمسترونغ، وتناول في أعماله الأدبية الكهرباء والغواصات واختراعات حديثة أخرى قبل ظهورها بعشرات السنين.
رواية “الحرب الأميركية”
في هذه الرواية المليئة بالإثارة والرعب، يروي الكاتب الكندي عمر العقاد قصة تجري أحداثها في المستقبل القريب بأميركا التي يدمرها تغير المناخ، وتندلع فيها حرب أهلية ثانية على خلفية استخدام الوقود الأحفوري.
ويحكي العقاد -الذي ولد في مصر ونشأ في قطر- أحداث أواخر القرن 21 في عالم مزقته التغيرات المناخية، ويشهد بطل الرواية مقتل والده بهجوم لمليشيات الشمال، فينتقل إلى مخيم لاجئين في عمر الطفولة، ويشهد أحداث عام 2074 عندما يتم إقرار مشروع قانون يحظر استخدام الوقود الأحفوري في أميركا، فتنفصل ولايات أميركية عن الاتحاد وتحتل المكسيك تكساس بينما تدخل “الولايات الجنوبية الحرة” المتبقية في حرب مريرة.
ويتنقل بطل الرواية من مخيم لاجئين إلى آخر قبل أن ينخرط في حرب عصابات ويغتال جنرالا شماليا كبيرا، ويُحتَفل به بطلا من قبل الولايات الجنوبية الحرة، لكن هجوم الشمال ضد المتمردين الجنوبيين يتصاعد فيقبض على بطل الرواية ويتعرض لتعذيب قبل أن يفرج عنه لاحقا ويعود لممارسة نشاطه مرة أخرى.
وفي خضم الأحداث، يحضر موضوع تغير المناخ، فبسبب ارتفاع منسوب البحر والفيضانات غمرت المياه ولاية فلوريدا وولايات أخرى، وهاجر سكانها بالكامل خاصة الساحل الشرقي، ونُقلت عاصمة الولايات المتحدة. كما تصبح الجزيرة العربية حارة جدا وغير قابلة للحياة، بينما تحدث فيضانات خطيرة وواسعة النطاق جنوب آسيا.
رواية “عام الفيضان” عام 2009
في روايتها الثانية ضمن ثلاثية ديستوبية مخيفة، تروي الأديبة الكندية ماغريت آتوود قصة فيضان أو وباء عالمي تسبب فيه الجشع البشري الذي أدى كذلك لارتفاع مستويات سطح البحر، وتتناول حكاية طائفة نباتية كرست نفسها للحفاظ على العالم الطبيعي المحاصر.
وتتوقع طائفة “بستانيو الإله” حدوث كارثة تقضي على البشر أو ما يسمونه “فيضانا من دون ماء” ويصبح تنبؤهم صحيحا مع تفشي وباء فيروسي يتحصن الناجون منه في أماكن معينة.
وتتناول الرواية إمبراطورية الشركات وتغوّل الرأسمالية على البيئة، وتحكي عن الوحشية وعواقب تدمير الحياة الطبيعية واستخدام النفط على نطاق واسع، وتتعرض كذلك لمشكلات ندرة الموارد وتجارب الهندسة الوراثية.
رواية “البحر والصيف” عام 1987
تعد رواية الأسترالي جورج تيرنر لعام 1987 واحدة من أقدم الأمثلة على “الأدب المناخي”. ويحكي عن ناطحات السحاب في ملبورن الأسترالية التي تغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
وتقدم القصة نموذجا للتفاوت الهائل بين الأغنياء والفقراء، وتقول أدلين جونز بوترا (الأكاديمية المختصة بالأدب الإنجليزي في جامعة ساري البريطانية) إن الرواية تقدم تجربة فكرية مستقبلية حول آثار تغير المناخ على مجتمعنا المنقسم بالفعل.
رواية “يوميات الكربون” عام 2015
بعد تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، تختار بريطانيا أن تكون أول دولة تقنن استخدام الكربون المسؤول عن الظاهرة بحسب علماء البيئة في رواية الكاتبة البريطانية ساكي ليويد.
وتبلغ لورا براون 16 عاما، وتلتزم بالقيام بدورها لإنقاذ البيئة، وتتعايش مع تقنين استخدام الكربون في نمط حياة شديد الصعوبة، مما يؤدي إلى أعمال شغب ونهب في جميع أنحاء لندن.
ويعاني سكان لندن في الرواية من الجفاف المرير الذي يهدد الحياة ومن تزايد الحرارة والفيضان المدمر على مدار العام، ويؤدي ذلك لفقدان العديد من العلاقات الاجتماعية وضعف المجتمع وتحولات سياسية كبيرة بسبب تغير المناخ جذريا.
وتبدو الرواية واقعية رغم خياليتها، فأبطالها يدركون أنهم بحاجة لحرق الوقود بمعدلات أقل بكثير وحتى قيادة السيارة للضرورة فقط، لمكافحة الاحتباس الحراري، ومع ذلك يمتزج الضحك بالرعب في الرواية التي يستخدم أبطالها نظام النقاط لقياس استخدامهم للكربون والطاقة.
رواية “ذاكرة المياه” عام 2012
في روايتها لعام 2012، تروي الكاتبة الفنلندية إيمي إيتارانتا قصة تحول المياه إلى سلعة ثمينة ونادرة شمال أوروبا في المستقبل البعيد.
وتقرر فتاة صغيرة أن تشارك المياه مع أصدقائها وزملائها القرويين، فتواجه اتهاما خطيرا بارتكاب “جريمة المياه” التي تصل عقوبتها للإعدام، وتساعد الرواية على التفكير في قيمة الموارد الطبيعية واحتمالية ندرتها.
“الجدار” عام 2019
عام 2019، صدرت رواية “الجدار” المتشائمة للصحفي والأديب البريطاني جون لانشستر الذي يمزج فيها بين تنامي المشاعر المعادية للاجئين في بريطانيا، وبين ارتفاع منسوب مياه البحر عالميا لدرجة اختفاء الشواطئ من كل أنحاء العالم.
وفي الرواية التي ترجمت إلى العربية، يعتبر “الجدار” أساس وجود الدولة ويستخدم لوقف تمدد البحار والمحيطات وصد المهاجرين واللاجئين في آن واحد، وهو بذلك يفصل بين الجزيرة البريطانية وبين بقية العالم الذي يعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية هائلة ناجمة عن تغير المناخ في كابوس مستقبلي مخيف يغير الأرض ويحول البشر لوحوش.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.