جنين- تفترش الستينية “أم حسين ضبايا” الأرض في ساحة مستشفى ابن سينا شرق مدينة جنين وحولها حفيداها (4 و6 أعوام)، بعد خروج العائلة من منزلها في المخيم تمهيدا لقصفة من طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
وكان ضابط في المخابرات العسكرية الإسرائيلية قد أبلغ عائلة ضبايا أن منزلها سيتم قصفه هذه الليلة، وذلك خلال الهجوم الإسرائيلي المتواصل على مخيم جنين منذ فجر أمس الاثنين، والذي أطلقت عليه إسرائيل عملية “بيت وحديقة”، بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في جنين.
تقول أم حسين “عصر اليوم وردنا اتصال من المخابرات الإسرائيلية بضرورة مغادرة منزلنا لأنهم قرروا قصفه، الحجج كثيرة، ودائما جاهزة عند جيش الاحتلال… وجود مقاومين في المنزل”.
وأضافت “ربما حفيدي ذو الأربعة أعوام هو المقاوم، نحن نعيش في المنزل مع بعضنا، 10 أفراد أصبحنا في الشارع في هذا الوقت من الليل”.
بلاغات بقصف المنازل
وأبلغت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي عائلات فلسطينية كثيرة داخل المخيم بقرارات قصف منازلها تلك الليلة، بدعوى وجود مقاتلين داخلها، في حين اضطر عدد كبير من أهالي المخيم للخروج مع أطفالهم بحثا عن أقرب نقطة آمنة.
ويقول الأهالي إن عملية الخروج ذاتها ليست آمنة، فالآليات العسكرية متمركزة على مداخل المخيم، والقناصة ينتشرون على أسطح المنازل، بينما لم تترك الطائرات المسيرة سماء المخيم منذ ساعات الفجر الأولى.
وتعرض عدد من النازحين لإطلاق لقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، خلال محاولة هروبهم من أحد شوارع المخيم، في حين علا صراخ الأطفال وبكاؤهم.
وأوضحت أم حسين أن العائلة خرجت “أولا محاولين الوصول إلى الحارة الغربية، لكن ذلك كان شبه مستحيل، لأن الطرق كلها مجرفة ومدمرة، فنقلتنا سيارة إسعاف إلى مستشفى ابن سينا، لكني أنتظر أخي لأنتقل لمنزله في حارة الجابريات المتاخمة للمخيم”، مضيفة “هي لست آمنة، لكن أين سنذهب؟ هل يمكن أن نبقى مع الأطفال والنساء هنا في المستشفى؟!”.
إعادة لمشاهد النكبة
وفي مشهد يذكرهم بالخروج من البلدات والقرى الفلسطينية خلال نكبة عام 1948، ينزح أهالي المخيم في شوارع مدينة جنين إلى المستشفيات التي يُعتقد أنها أكثر مكان آمن في المدينة، وإلى مقر البلدية في منتصف المدينة.
وفي المركز الكوري التابع لمقر بلدية جنين، يقف كفاح ضبايا مع عدد من الأهالي يتشاورون حول مكان قضاء هذه الليلة، يقول ضبايا “كنا في منزلنا، وصلنا قرار الترحيل بواسطة ضابط الإسعاف، قال لي إن منزل عمي أبو حسين ضبايا تقرر قصفه، وإن علينا أن نترك منزلنا أيضا، لأنه ملاصق لمنزل عمي”.
وأضاف ضبايا “خرجنا بدون أي شيء، فقط أخدنا أطفالنا وتركنا المنزل، كنا قرابة 60 شخصا تجمعنا كلنا وانتقلنا بواسطة سيارة الإسعاف إلى هنا”.
وتابع “أجدادي عاشوا النكبة ولجؤوا إلى المخيم، وأنا أعيش النزوح من المخيم اليوم أولا إلى هنا في بلدية جنين، والآن أستعد للجوء لقرية برقين القريبة عند أحد الأقارب”.
ويعيش في مخيم جنين أكثر من 14 ألف شخص، وحتى ساعات الليل الأولى تم إجلاء قرابة 500 عائلة، بمتوسط 5 أفراد على الأقل في كل عائلة، سواء من تمكنوا من الهرب بأنفسهم أو من أجلتهم سيارات الإسعاف، وتحولت ساحة مستشفى جنين الحكومي المحاذي لمخيم جنين إلى محطة انتظار للنازحين.
استنفار ومبادرات شعبية
وتعيش مدينة جنين حالة من التوتر والاستنفار لاستقبال العائلات النازحة، وانتشرت عبر تطبيقات الهواتف النقالة دعوات من سكان المدينة والقرى المحيطة لاستقبال النازحين، وتكررت رسالة “بيوتنا مفتوحة لكل من خرج من منزله في المخيم لمن تقطعت به السبل، تواصلوا معنا، ونحن بخدمتكم”.
وتفاعل السكان مع مبادرات توفير الطعام والمياه للنازحين، وفتحت السلطات مقر البلدية والمركز الكوري التابع لها، في حين قال رئيس بلدية جنين نضال عبيدي إن قرابة 200 عائلة وصلت أولا إلى مقر البلدية، قبل أن يتوافد الأهالي من المدنية لنقلهم لمنازلهم الخاصة.
وأضاف عبيدي أن “عائلات كثيرة أُبلغت بهدم منازلها، وبطبيعة الحال ولضيق مساحة المخيم والتصاق منازله ببعضها، فأي منزل مهدد بالقصف، فإن المنازل القريبة سيتركها أهلها لأنها ستضرر”.
وأكد أن حالة التكاتف الحاصلة في مدينة جنين وقراها وتضامنهم مع أهالي المخيم هي حالة مشرفة جدا ولافتة للغاية، حيث لم يقبل الأهالي أن يبيت سكان المخيم في المركز الكوري أو مقر البلدية ونقلوهم إلى منازلهم.
وتعمل سيارات الإسعاف في نقل الأهالي من المخيم إلى ساحة مستشفى جنين قبل توزيعهم في أماكن أخرى.
وسط ساحة المستشفى، تبحث عائلات عن أطفالها الذين فقدتهم خلال النزوح، وتقول بهية طوالبة من ساحة المستشفى “نحن عائلات معنا أطفال، كيف يمكننا البقاء في المخيم بعد كل هذه التهديدات بقصفه”.
وتصف بهية مشهد خروجها مع أطفالها بالصعب والمرعب، وتتابع “قالوا لنا إن هناك مقاومين بالقرب من المنزل، خرجنا إلى الشارع ورفعنا أقمشة بيضاء لنتمكن من المرور دون إطلاق النار، لم نأخذ معنا شيئا، ونحن محاصرون منذ الصباح من دون ماء ولا غذاء”.
“الأطفال جياع حاصرونا لساعات طويلة، والآن أجبرونا على الخروج بملابسنا فقط، لم أحمل معي سوى هاتفي وأطفالي فقط”، تضيف طوالبة.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.