عمالة الأطفال ظاهرة منتشرة في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، وهي من الظواهر التي تسعى الأمم المتحدة لمكافحتها، وكان من أهداف التنمية المستدامة لعام 2015 القضاء عليها نهائيا.
حددت منظمة الأمم المتحدة يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفيه تقام فعاليات حول العالم بمشاركة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، للتنبيه على ضرورة مكافحة الظاهرة، والتأكيد على إستراتيجيات العمل للقضاء عليها.
تعريف عمالة الأطفال
يقصد بعمالة الأطفال: التحاق الأطفال في كل أنحاء العالم بأعمال روتينية، سواء كانت شاقة أو مقدورا عليها، ولأسباب أبرزها الفقر والعوز، وتكون تلك الأعمال مقابل أجر حينا، وبلا أجر حينا، أو بحد أدنى من الرعاية يكفل لهم الحياة.
وقد لا تكون تلك الأعمال شاقة لكنها تدخل ضمن مفهوم عمالة الأطفال، كأن يكون الأطفال أضعف أو أصغر من أن يمارسوها، أو أن تعرضهم للخطر بشكل يؤثر على نموهم البدني والعقلي والاجتماعي.
ومن شأن هذه الظاهرة أن تفاقم الفقر والحرمان في المجتمعات التي تنتشر فيها. وخلال جائحة كوفيد-19، لوحظ أنها ازدادت بشكل واضح، بسبب الأزمات الاقتصادية في تلك الفترة.
وفي عام 2022، رفعت الأمم المتحدة شعار “الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمالة الأطفال”، بعد أن استنزفت الأزمات الاقتصادية أنظمة الحماية الاجتماعية في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، مما جعل من الصعب تحييد الأطفال عن العمل.
ولا يتلقى أكثر من 26.4% من الأطفال في العالم مزايا نقدية للحماية الاجتماعية، ويبلغ إجمالي الإنفاق الوطني على حمايتهم 1.1% من الناتج المحلي في العالم كله.
وفي أفريقيا حيث تنتشر عمالة الأطفال، ينفق ما يعادل 0.4% من الناتج المحلي على الحماية الاجتماعية للطفل.
وتقول منظمة الأمم المتحدة “إن طفلا من بين أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة) في البلدان الفقيرة، ملتحق بأعمال تعتبر مضرة بصحته ونموه”.
أشكال عمالة الأطفال
ويحظر القانون الدولي ثلاثة أشكال من أنواع عمالة الأطفال، ويعد أسوأ أشكال عمل الأطفال ما يعرف دوليا بالاستعباد والاتجار بالبشر، أو العمل لسداد الدين وكل أنواع العمل الجبري، أو استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة.
ومن أسوأ مجالات عمل الأطفال: الدعارة والاستخدام الجنسي والإباحي بكافة أشكاله. ويعدّ الاستخدام الجنسي للأطفال والمتاجرة بهم ثالث أعلى الأعمال إدرارا للربح، بعد تجارتي الأسلحة والمخدرات.
والنوع الثاني من هذه الأعمال، ما يؤديه الأطفال دون الحد الأدنى من السن الطبيعية للعمل، إضافة إلى الأعمال التي من شأنها إعاقة تعليمهم أو تمام نموهم.
ثم النوع الثالث والأخير، وهو العمل الذي يهدد الصحة الجسدية والفكرية والمعنوية للأطفال، سواء كان ذلك بسبب طبيعة العمل أو البيئة والظروف التي يؤدى فيها، وهو ما يصطلح عليه بـ”العمل الخطر”.
اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال
في عام 2002، اختارت منظمة العمل الدولية يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام ليكون يوما عالميا لمكافحة عمل الأطفال، من أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة وبذل الجهود اللازمة للقضاء عليها، واتخاذ إجراءات فورية وفعالية لإنهائها.
ويجتمع يوم 12 يونيو/حزيران الحكومات وأرباب الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت من قادة دول العالم عام 2015، لتجديد الالتزام بإنهاء عمالة الأطفال.
ويدعو الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة إلى “اتخاذ تدابير فورية وفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر، لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025”.
ويناقش الخبراء في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال التقدم الذي أحرزته الهيئات التابعة لمنظمة العمل الدولية، فيما يخص السعي لتحقيق هذا الهدف.
وعُدّ الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في 2023 لحظة زمنية لإثبات إمكانية التغيير، دعا فيها الملتزمون بإنهاء عمل الأطفال إلى أمرين رئيسين:
- الأول: إعادة تنشيط العمل الدولي لتحقيق العدالة الاجتماعية، باعتبار إنهاء عمالة الأطفال من أهم عناصرها.
- الثاني: التصديق العالمي على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 (اتفاقية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام) التي صدرت عام 1919، والتصديق على اتفاقية المنظمة رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، واتخاذ إجراءات فورية للقضاء عليها.
إحصاءات صادمة
وفي مطلع عام 2020، شارك طفل من بين 10 أطفال بعمر 5 سنوات فأكثر في عمالة الأطفال حول العالم، وهو ما يعادل إجمالا 160 مليون طفل، منهم 63 مليونا من الإناث، و97 مليونا من الذكور.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن عمالة الأطفال تنتشر في القارة الأفريقية أكثر من غيرها، إذ يصل عدد الأطفال العاملين فيها إلى 72 مليون طفل، تتبعها قارة آسيا والمحيط الهادي، بـ62 مليون طفل عامل.
ويتوزع 11 مليون طفل عامل بين الأميركيتين، وهو ما يعادل 5% من الأطفال. وفي أوروبا وآسيا الوسطى، يعمل 4% من الأطفال، ويبلغ عددهم 6 ملايين طفل.
وفي العالم العربي تصل نسبة عمالة الأطفال إلى 3%، وهو ما يعني أن مليوني طفل عربي منخرطين في الأعمال.
ورغم كون هذه الظاهرة من المفترض أن تبلغ أعلى نسبها في الدول المنخفضة الدخل، إلا أن نسبة الأطفال العاملين في الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض تصل إلى 9%، في حين تبلغ 7% في الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن 84 مليون طفل (56% من جميع الأطفال العاملين) يعيشون في بلدان متوسطة الدخل، ويعيش مليونا طفل في البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأعلنت منظمة العمل الدولية إحراز تقدم في الحد من عمالة الأطفال خلال العقدين ما بين عام 2000 وعام 2020، من نسبة 26.4% إلى 9.6%.
وتوقعت تقديرات تلك الإحصاءات أن ترتفع عمالة الأطفال بمقدار 8.9 ملايين طفل بحلول نهاية 2022، إذا لم تُتّبع إستراتيجيات للتخفيف منها.
عمالة الأطفال في المنطقة العربية
وفي العالم العربي، يعد طفل واحد من كل 35 طفلا منخرطا في عمالة الأطفال. وتتعدد أشكال عمالة الأطفال في العالم العربي تبعا لتنوع أسبابها في المنطقة.
وبحسب الحكومة المصرية، فإن عمالة الأطفال تتفشى في قطاعات معينة، منها أعمال المناجم والمحاجر وصناعة الطوب، وغيرها من أعمال البناء والزراعة، كما تتساهل الثقافة الشعبية في القاهرة وبعض مناطق الريف مع هذه الظاهرة.
وبحسب مسح مصري، فإن 9.3% من إجمالي الأطفال في مصر يعملون، وتعمل نسبة 82.2% منهم في ظروف سيئة وغير آمنة.
وفي اليمن، ارتبطت هذه الظاهرة بظروف الحرب خلال العقد الأخير، وما ترتب عليها من هجرة داخلية وتدهور في أوضاع الأسر اليمنية واستقرارها، مما دفعها لتشغيل أبنائها في الزراعة الريفية.
ونتاجا لذلك يعاني 192 ألف طفل يمني من العمى أو الربو، بسبب الأعمال الخطرة في القطاع الزراعي، وما فيه من استخدام للسموم والأسمدة والكيمياويات، كما تطورت عند الأطفال أمراض أخرى، مثل الالتهابات الجلدية والأمراض المعوية ونوبات الصرع والتهابات العيون.
وأشارت اليونيسيف إلى أن ثلث أطفال العراق تدفعهم ظروف مادية صعبة للعمل، بغرض مساعدة أسرهم ماديا، مما أدى إلى توسع نطاق عمالة الأطفال غير المنظمة، والتي تغيب عنها السيطرة والمراقبة من قبل الحكومة والنقابات.
وتنشط عمالة أطفال العراق في الأحياء الصناعية، وأنشطة جمع الخردوات من مكبات النفايات، مما يزيد المخاطر الصحية التي يتعرضون لها.
أما في لبنان، فساهمت حركة اللجوء إثر الحرب في سوريا في ازدياد عمالة الأطفال، إذ يعمل كثير من أطفال اللاجئين السوريين في قطاعات اقتصادية مختلفة في لبنان.
وفي العقد الأخير، ساهمت ظروف الحرب في بلدان عربية مختلفة إلى غياب الدور الرقابي في سوق العمل، وزيادة أعداد الأسر التي تشغل أطفالها لتأمين احتياجات أساسية، إضافة إلى نشاطات أكثر خطورة مثل تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات العسكرية.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.