نقلنا لكم – بتجــرد: ما بين انتهاء موسم أفلام عيد الفطر في أبريل، وانتظار موسم عيد الأضحى الذي أصبح انطلاقه لموسم الصيف في العروض السينمائية، ثمة مساحة زمنية يطلق عليها في مصر الموسم الميت، وهي الأسابيع التي تفصل ما بين المواسم الكبرى، وتشهد عادة بواقي الموسم السابق وأفلام ممثلي الصف الثاني أو النجوم الذين خفت بريقهم.
من بواقي الموسم السابق لا يزال يعرض فيلم “هارلي” لمحمد رمضان، و”بعد الشر” لعلي ربيع، و”شوجر دادي” لبيومي فؤاد وليلى علوي، و”ساعة إجابة” لغادة عادل، و”ابن الحاج أحمد” لشيكو، ثم أُضيف إليهم فيلم “رهبة.. ورا مصنع الكراسي” لأحمد الفيشاوي وثراء جبيل في أول بطولة سينمائية لها.
يأتي “رهبة” كأول فيلم يخرجه رضا عبد الرازق، بعد أكثر من 15 سنة من العمل كمساعد مخرج في عدة تجارب تليفزيونية وسينمائية، ويبدو أن شركة “الجذور” المنتجة للفيلم قررت إسناد مهمة الإخراج لعبد الرازق بعد تعاونه الأخير معهم كمخرج منفذ في فيلم “ريتسا” إخراج أحمد يسري وتمثيل الفيشاوي ومحمود حميدة.
هل يمكن أن تكون أسماء الفيشاوي وجبيل – التي حققت انتشاراً واسعا في العام الأخير باشتراكها في عدد كبير من المسلسلات وظهورها المتميز مع منصة “شاهد” في الدراما التليفزيونية “وش وضهر”- هي السبب وراء عرض “رهبة” في الوقت الميت ما بين الموسمين الكبار؟، أم أن التجربة نفسها لم تكن لتصمد أمام أي منافسة، حتى لو كانت متواضعة كما هو الحال في الفترة الحالية التي تشهد تراجع واضح في مستوى إنتاج الأفلام المصرية، بصورة تعكس تردي عام للمستوى الثقافي.
بالطبع هناك عوامل تخص خطط شركات التوزيع خلال هذه الفترة الحساسة، خاصة مع زيادة الضرائب وارتفاع أسعار تذاكر السينما بشكل غير مسبوق، ولا شك أن جاذبية الأسماء تلعب الدور الأساسي في تصدر أي فيلم لواجهة الموسم مهما كانت هشاشته (ولنا في “هارلي” خير مثال).
إلا أن تجربة “رهبة” تحديداً كان من الممكن أن تقاوم بعض من عوامل السطحية في اختيار توقيت العرض بناء على لمعة الأسماء فقط، وهذا لو أنها تماسكت أكثر على مستوى النوع، وتحديداً فيما يخص السيناريو والإخراج، إذ تعتبر محاولة للسير على الدرب الذي مهدته تجارب مهمة في سياق المحاكاة الساخرة “البارودي”، والتي كان أكثرها بريقاً بالطبع تجارب أحمد مكي، والثلاثي فهمي، وهشام، وشيكو.
من البداية يؤسس الكاتب محمد علام – قدم من قبل أفلام “سعيد كلاكيت” و”خطة بديلة”- لعالم سيد رهبة البلطجي خافت الضمير متشقق القلب، على اعتبار أنه عالم كرتوني يحاكي فيه السيناريو الكثير من تجارب أمريكية ومصرية، أبرزها جون وويك كما في المشهد الافتتاحي لضرب النار بكثافة وحرفية بعد إصابة سيارته بطلق ناري من مجموعة مجهولة لا ندري لماذا تطلق عليه النار، والتي تتحول هي نفسها إلى جزء من الحالة الكرتونية، عندما نجدهم يتخذون تشكيلات راقصة على أغنية لفيروز، وهي محاكاة طريفة لعوالم الأكشن في أفلام جون ووه.
هذه الافتتاحية المبشرة بتأسيسها لطبيعة سردية العمل البصرية والدرامية، سريعاً ما تنهار أمام ارتداده قوية نحو أفلام العصابات المصرية التقليدية، بأقل قدر من السخرية وجرعة أعلى من الافتعال الذي تتقاسم جريرته ركاكة السيناريو، وضعف القدرة على التحكم في الممثلين والمجاميع، وضبط إيقاع المشاهد إخراجياً.
لدينا كل ما يمكن أن يصنع حالة بارودي ساخنة وطريفة، شخصيات معروفة الأصول وهو عنصر مهم من عناصر المحاكاة الساخرة أن يعرف المتلقي أصل الشخصية أو الموقف، من أجل أن تحدث مقارنة معتمدة على تناقض يؤدي للضحك.
البلطجي عديم الاحساس الذي يصاب في رأسه فيتأثر مركز الجريمة في مخه، فيتحول إلى ملاك لا يعلو ابتسامته شنب الجريمة، وهو ما يذكرنا بالطبع بنفس الانقلاب الكوميدي في فيلم “قلب أمه” لهشام وشيكو، والمراسلة الشابة الطموحة التي تتطوع لمهمة تصويره من أجل القناة التي ترغب في العمل بها، ثم لاحقا تقع في حبه بالطبع.
ثم مشاعر أم البلطجي التي تعاني من كونها اسم على مسمى، فيهي جياشة العواطف مشتعلة نتيجة الحرمان والكبت وكونها أم كبير المنطقة، ولكن هذا لا يمنعها من الدخول في علاقة “أون لاين” مع الكهل “أبو تامر” المهووس بتامر حسني، والذي يتخذ من طفل صغير دليل له في عالم الحب تحت ظلال السوشيال ميديا.
ولدينا أخت البلطجي العانس ضحلة الجمال والموهبة، التي يفرضها كمغنية على واحدة من عوامات إمبابة حيث مصنع الكراسي الذي يعد مملكته الأثيرة، أيضاً اثنان من الأتباع يتسمون بالصفة وعكسها الجرأة والغباء، الشهامة والسطحية، النذالة والإخلاص.
وأخيراً خال البلطجي الذي يذكرنا بالشخصية الشهيرة التي قدمها سليمان نجيب في فيلم “الأنسة حنفي” قبل 70 سنة تقريباً، حين كان يبحث عن الوصل الذي يبثت دفع 10آلاف جنية في الباشوية، ولكنه هنا طراز 2023 حيث الإيصال في يد خصم سيد رهبة المعلم الحوت.
هذه الشخصيات مجتمعة بكل نمطيتها، التي تعطي مساحة واسعة للسخرية ومحاكاة أصولها، بشكل طريف وجذاب انطلاقا من فلسفة النوع، تسقط كلها في نفس فخ السذاجة والنمطية التي من المفترض أن تسخر هي نفسها منه.
حتى مع محاولات تطريز الصورة بكتابات تشبه أسلوب “الكوميكس” حول قوانين رهبة الثلاث في البداية، إلا أنه لا يتم استثمار هذا الأسلوب بصورة أكثر فعالية خلال الأحداث، فيبدو مثل نتوء عابر، لا حالة سردية الغرض منها استغلال مزيد من أشكال النوع بمختلف تجلياته.
كما سبق وأشرنا أن أقرب مثال يقفز بخفة لذهن المتفرج هو مقارنة سيد رهبة بمجدي تختوخ، فكلاهما يتعرضان لنفس المحنة الأخلاقية، الأول بإصابة مركز الجريمة في المخ، وهي بالمناسبة فكرة جيدة الاشتغال عليها بشكل أنضج ربما أفرز فيلماً حمّال أوجه، والثاني عندما تم تغيير قلبه بقلب أم لشاب ساذج ضعيف الشخصية فيمنحه كل الحماية والدفء الأمومي المشبع برائحة الرصاص وصوت السلاح.
يخفق السيناريو في استغلال تحول “رهبة” من بلطجي إلى شاب رقيق المشاعر مرهف الحس، يبتذل الانقلاب الدرامي في مشاهد بكاء ثقيل باهت الطرافة بين رهبة وتابعيه، ويخسر مشهد كوميدي هام عندما تقترح المراسلة التي يهمها عودة “رهبة” كبلطجي من أجل استكمال اللقاء التليفزيوني، عنه أن يتم ضربه بالأحذية عله يسترجع المجرم الذي قفز من رأسه، وذلك بعد أن فقده نتيجة ضربه من حذاء في معركة “ورا مصنع الكراسي”.
مشهد ضرب “رهبة” بالأحذية كان من الممكن أن يصبح كتلة كوميديا كاسحة، لولا الانفعالات السادية للمجموعة سواء الأم، أو الأخت، أو الخال، أو الأتباع، أو حتى المذيعة، حيث كثفتها الحركة البطيئة فبدت حفلة تعذيب منفرة، بدلاً من أن تصبح كوميديا حركية ذات بُعد تطهيري عبثي، فـ”رهبة” الذي كان يٌرعش فرائص الجميع أصبح علاجه أن يُضرب بالحذاء وكأن السماء تعاقبه على جرائمه.
يُضيع الفيشاوي، مع غياب توجيهات سليمة للمخرج، فرصة ردود أفعال تذكرنا بمدرسة جيم كاري الشهيرة في اللعب بملامح الوجه، يُترك لحركة ملامح عشوائية بغرض الإضحاك، لا انطلاقاً من قسوة الموقف وعبثيته.
يفقد “سيد رهبة” نضج شخصية “مجدي تختوخ”، بينما يحاكي التخلف الطفولي لشخصية مصطفى خاطر في فيلم “ثانية واحدة”، عندما انقلب إلى طفل صغير بعد أن تعرض لحادث سيارة، وتبدأ اخت “رهبة” في التعامل معه كمن يعاني من تراجع ذهني، ويؤكد السيناريو والإخراج على هذا رغم ان التخلف العقلي ليس من بين الآثار التي ذكرتها المذيعة ضمن أعراض تأثر مركز الجريمة في المخ.
يفقد السيناريو ميزة الصراع المشتعل ما بين “رهبة” و”الحوت”، حيث يسرف في مشاهد عناية “الحوت” بيده التي قطعها “رهبة” وتركيب “هلب” بدلا منها، ورغم طرافة التفصيلة إلا أن النص لا يستغلها في دفع الحوت ليكون محاكاة ساخرة بشخصية “كابتن هوك” في صورته المصرية الشعبية، ويكتفي بمشاهد العناية بالـ”هلب” من خلال الباديكير.
بالتعبير الدارج يمكن أن نقول أن فيلم “رهبة” أخذ المحاكاة الساخرة (ورا مصنع الكراسي)، فالتجربة لن تحسب ضمن تجارب “البارودي” التي شكلت في وقت ما رأس حربة قوي لتيار الكوميديا في العقدين الأخيرين، رغم توافر العديد من الإمكانيات على مستوى الفكرة والطاقات التمثيلية.
ولكن الاستسهال وعدم دراسة النوع جيداً، وغياب الرؤية كتابة وإخراجاً وإنتاجاً أضاع على صناع العمل والجمهور فرصة العودة إلى الحالة المبهجة، التي صنعتها تجارب مثل “لا تراجع ولا استسلام” و”سمير وشهير وبهير” و”الحرب العالمية الثالثة”، وهو ما يعني أيضاً ضياع فرصة أن تعيد شركات التوزيع النظر في الأفلام التي تعرض فيما بين الموسمين في حال لو كانت التجربة أقرب للنضج وأميز في استغلال النوع.
والجدير بالذكر أن خبر فيلم “رهبة”.. بين غياب الرؤية والفرص الضائعة تم اقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق التحرير في ” إشراق 24″ وأن الخبر منشور سابقًا على فنيات والمصدر الأصلي هو المعني بصحة الخبر من عدمه وللمزيد من أخبارنا على مدار الساعة تابعونا على حساباتنا الاجتماعية في مواقع التواصل.
نشكر لكم اهتمامكم وقراءتكم لخبر فيلم “رهبة”.. بين غياب الرؤية والفرص الضائعة تابعوا اشراق العالم 24 على قوقل نيوز للمزيد من الأخبار
الجدير بالذكر ان خبر “فيلم “رهبة”.. بين غياب الرؤية والفرص الضائعة” تم اقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق ينبوع المعرفة والمصدر الأساسي هو المعني وتم حفظ كافة حقوقه
المصدر
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.