إسطنبول – أكد الفاتح علي حسنين مستشار الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش (توفي عام 2003)، احتمال تحول الأحداث الأمنية الجارية في إقليم كوسوفو إلى حرب واسعة النطاق، معتبرا أنه وارد وإن كان بدرجة أقل مقارنة بالظروف التي رافقت حرب البوسنة عام 1998 التي تدخّل فيها حلف شمال الأطلسي.
ورأى حسنين، في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، أن روسيا دعمت دوما صربيا في عدائها للألبان المسلمين في كوسوفو، ولم يستبعد أن يكون لها يد في الأحداث الأخيرة، لكنه شدد على أن جوهر المشكلة يكمن في صربيا.
وتحدث المستشار السابق في المقابلة عن جذور المشكلة العرقية والدينية في كوسوفو التي تعود إلى حرب وقعت عام 1389 وسميت على اسم هذا الإقليم، وأدت في نهاية المطاف إلى تمزيق إمبراطورية الصرب على يد العثمانيين.
وحول خصوصية منطقة شمال كوسوفو التي تشهد منذ أيام احتجاجات من قبل الأقلية الصربية، كشف حسنين أن مدينة ميتروفيتسا حظيت باهتمام خاص من قبل الصرب منذ حكم رئيس “يوغوسلافيا السابقة” جوزيف بروز تيتو، حيث شهدت محاولات مستمرة لتغيير الوضع الديمغرافي فيها بهدف السيطرة عليها لاحقا، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل.
ودعا حسنين الدول العربية والإسلامية إلى المساهمة في إرساء نوع من التوازن في منطقة البلقان عبر دعم مسلمي المنطقة، ما يفتح الباب أمام تحقيق السلام، معبرا عن أسفه لغياب هذه الجهود.
وفيما يلي الحوار:
-
ما جذور المشكلة العرقية في كوسوفو؟ وما دور الهوية الدينية فيها؟
كانت كوسوفو تاريخيا جزءا من ألبانيا، لكنها اقتطعت وضمت إلى صربيا عندما تشكلت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الفدرالية. وحصل الضم عام 1943 أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الوقت كان الغرب يريد أن يجعل المسلمين تحت حكم الصرب، علما أن الصرب هم أكثر الشعوب كرها للإسلام والمسلمين لأسباب تاريخية.
يعود هذا الكره والعداء إلى حقبة تاريخية قديمة عندما تمزقت إمبراطورية الصرب وتحطمت على يد العثمانيين المسلمين اعتبارا من عام 1389، وهو العام الذي شهد معركة بين الطرفين في كوسوفو، ومنذ ذلك الوقت لم تقم للصرب قائمة. لهذا السبب يكره الصرب الأتراك والمسلمين كراهية شديدة وأصبح المسلم في نظرهم يعد تركيا.
كان عدد الصرب في جمهورية يوغوسلافيا حوالي 12 إلى 13 مليونا من أصل 22-23 مليونا وكان الألبان يشكلون حوالي 3 ملايين أو أقل قليلا. صحيح أن الحزب الشيوعي هو من حكم يوغوسلافيا ولكن الحقيقة أن غالبية أعضاء الحزب الشيوعي كانوا من الصرب ولذلك كانوا يحكمون الجمهورية لصالح صربيا تحت مسمى الحزب الشيوعي الجمهوري الديمقراطي.
الصرب من خلال حكمهم ليوغوسلافيا ضغطوا على الأرناؤوط الألبان ولم يتركوا لهم فرصة للتعلم، وكان يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الرابعة أو الخامسة.
وكان الألبان سكان كوسوفو يكرهون الصرب. شخصيا كنت أمشي في شوارع كوسوفو عندما كنت طالبا في يوغوسلافيا وكانت لغتي الصربية أفضل بكثير من السكان الذين كانوا يرفضون تعلم هذه اللغة.
الألبان يقدسون لغتهم وهويتهم القومية أكثر من أي شيء آخر، ولذلك قاوموا الضغوط الصربية. وبعدما تدخل الناتو في المنطقة في تسعينيات القرن الماضي وقام بمهاجمة يوغوسلافيا إثر محاولة كوسوفو الالتحاق بركب الدول المنفصلة؛ رفض الصرب انفصال كوسوفو وحاولوا منعه بالقوة لكن الناتو أجبرهم في نهاية المطاف.
الصرب ينحدرون من العرق السلافي، ولذلك فهم قريبون تاريخيا من الروس. وانطلاقا من ذلك، كانت مصلحة أميركا والغرب -الذين كانوا يريدون منع روسيا من الوصول إلى المياه الدافئة- دعم انفصال كوسوفو والجبل الأسود وبقية الدول.
-
ما الذي جعل منطقة شمال كوسوفو ذات خصوصية بالنسبة للصرب ما يجعلها عرضة للتوتر العرقي باستمرار؟
أكبر 3 مدن في كوسوفو هي بريشتينا العاصمة، ثم ميتروفيتسا وبريزرن. وكان الصرب يولون مدينة ميتروفيتسا الواقعة في شمال الإقليم تحديدا أهمية خاصة كونها تقع على حدود صربيا.
وعندما ضمت صربيا كوسوفو إليها مع إنشاء جمهورية يوغوسلافيا سمّى تيتو هذه المدينة “تيتوا ميتروفيتسا” وهي تعني مدينة ميتروفيتسا التابعة لتيتو، وظلت كذلك حتى تسعينيات القرن الماضي عندما وقعت الحرب في المنطقة وتدخل الناتو، ومنذ ذلك الوقت عادت المدينة إلى اسمها الأصلي.
حاول الحزب الشيوعي نشر الصرب فيها منذ عام 1943 بهدف إحداث تغيير ديمغرافي وتحويل أغلبية سكان المدينة إلى صرب وذلك تمهيدا لشن حرب لضمها في سيناريو مشابه لسيناريو أوكرانيا الحالي.
-
كيف تطورت المشكلة في كوسوفو بعد حرب التسعينيات؟
بعد انتهاء الحرب، قررت صربيا اتباع إستراتيجية جديدة لاستعادة السيطرة على كوسوفو، وذلك من خلال تركيز جهودها على زيادة نفوذها في الإقليم اعتمادا على الأقلية الصربية في كوسوفو. بفضل هذه الجهود، أصبحت ميتروفيتسا مقسمة إلى قسمين، الأول تابع لصربيا، والثاني تابع لكوسوفو.
هذا الوضع جعل التوتر مستمرا بين الطرفين، رغم أن الغالبية السكانية في المدينة لا تزال للألبان. والصرب يريدون أن يفوز أبناء جلدتهم في انتخابات البلديات القريبة من صربيا لا سيما في ميتروفيتسا إلا أن الانتخابات الأخيرة أسفرت كما هو متوقع عن فوز المرشحين الألبان لذلك راح الصرب يفتعلون المشاكل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها انتخابات لا تأتي بنتيجة مرضية للصرب، ولذلك يأتي احتجاجهم هذه المرة تكرارا لمرة سابقة.
وكان الناتو قد نشر قوات لحفظ السلام والفصل بين المتحاربين. وكانت قواته تتعامل مع أي أحداث أمنية بطريقة مختلفة، أحيانا بفرض الهدوء بالقوة وأحيانا بالتغاضي. وقد أدت الأحداث الأخيرة بطبيعة الحال إلى زيادة عدد قوات الناتو عبر استدعاء كتيبة تركية.
وسبق أن قام الصرب عقب الانتخابات البلدية السابقة بالقيام بأعمال شغب واختطاف رؤساء بلديات ألبان بهدف رفع مستوى التوتر الأمني. وتسببت الاحتكاكات الأمنية المستمرة في شمال كوسوفو إلى هجرة نحو مليون شخص من الأكثرية الألبانية من هذه المنطقة إلى مناطق أكثر أمنا قرب الحدود مع البوسنة ومقدونيا، ورغم ذلك أخفقت صربيا في تحقيق هدفها.
-
بماذا تختلف مشكلة إقليم كوسوفو عن مشكلة البوسنة والهرسك بشكل عام؟
الاختلاف يكمن في أماكن كثيرة. فالبوشناق ينتمون إلى عرقية السلاف ولغتهم لغة السلاف مثل الصرب تماما، بعكس الألبان الذين ينتمون إلى عرقية مختلفة.
البوسنيون مندمجون اجتماعيا مع الصرب داخل البوسنة والهرسك، رغم الحساسية التاريخية بين الصرب والمسلمين، وهذا بخلاف حال الألبان في كوسوفو الذين يتمسكون بهويتهم القومية والدينية ويكرهون الصرب كما يكرههم الصرب، بما يمنع أي تقارب أو اندماج بين الطرفين.
أعلى نسبة تعليم بين المسلمين عالميا كانت في البوسنة، فالكثير من البوسنيين متعلمون ودخلوا مؤسسات الدولة والخدمة المدنية ويعرفون الكثير عن دينهم، وكانت لديهم أعلى نسبة من حفاظ القرآن الكريم في العالم. أما الألبان فيغلب عليهم ضعف التعليم بفعل التجهيل الذي مورس بحقهم خلال حكم جمهورية يوغوسلافيا، كما أن اطلاعهم على الإسلام أضعف، لكنهم رغم ذلك أشد تمسكا بهويتهم.
ومن الاختلافات أيضا أنه ثمة نزاع حدودي بين البوسنة وصربيا، فإقليم “السنجق” البوسني تم اقتطاعه عام 1943 وإعطاؤه لصربيا، وهو بذلك إقليم يقطنه سكان بوسنيون لكنه تابع إداريا لصربيا.
-
هل يمكن القول إن طريقة حل مشكلة كوسوفو في التسعينيات حملت في داخلها بذور أزمة مستمرة؟
المسلمون مضطهدون سواء في البوسنة أو كوسوفو وذلك من قبل الكروات بشكل أقل والصرب بشكل أكبر، وطريقة حل المشكلة في التسعينيات كانت تحمل بذور استمرار المشكلة إلى حد ما، فالحقوق لم تعد إلى أصحابها كما ينبغي.
-
هل تتحمل الحكومة مسؤولية أو جزءا منها على الأقل نتيجة تعيينها رؤساء بلديات ألبان بعد انتخابات شهدت مقاطعة من قبل الصرب؟
لا أعتقد ذلك. الحكومة مارست صلاحياتها ولا تستطيع أن تتجاوز نتائج الانتخابات لإرضاء الصرب. مقتضى الانتخابات أن يصل إلى منصب رئيس البلدية من تختاره أغلبية الناخبين، ولا ننسى أن الصرب في المنطقة أقلية.
-
يعتقد مراقبون أن الأزمة في كوسوفو لها بعد دولي يتمثل في إثارة روسيا أزمة لأوروبا عبر حليفتها صربيا، ما تقديركم للأمر؟
هذا وارد وإن لم يكن سببا جوهريا في المشكلة المتعلقة بكوسوفو. عندما كانت صربيا تهاجم الألبان في كوسوفو عام 1998 كانت روسيا تدعمها، ولروسيا دوما دور في دعم صربيا في سياساتها في المنطقة، إلا أن هذا الدعم يأتي أساسا على خلفية مشكلة متجذرة. ومع ذلك لا أستبعد أن تحرك الصرب كلما اقتضت مصلحتها ذلك.
-
ثارت مؤخرا المخاوف من دعوات وتحركات لصرب البوسنة سعيا للانفصال بجمهورية صرب البوسنة -صربسكا- هل ترى أن الصرب في البلقان يتحركون وفق برنامج واحد؟
المشهد يتكرر الآن في كوسوفو ولكن بصورة أقل. الصرب يتحركون بدون شك وفق برنامج واحد، ولكن المحرك الأول عندهم هو كراهيتهم للإسلام والمسلمين. لذلك الأصل يكمن في صربيا وفي ثقافة الصرب المعادية للمسلمين.
-
هل يمكن أن تتطور الأزمة الحالية إلى حرب مدمرة كما حدث في السابق؟
الظروف حاليا مختلفة بدون شك ولكن المشكلة هي نفسها لا تزال قائمة، ولذلك فاحتمالات تحولها إلى حرب واسعة النطاق تظل واردة، لكن قد تكبحها الدول الأوروبية لا سيما في ظل انضمام كل من الطرفين إلى السوق الأوروبية المشتركة.
-
ما الخط الأحمر الذي إذا وصلت إليه الأزمة في كوسوفو يمكن أن يدفع أوروبا والناتو للتحرك عسكريا؟
هناك كلام فارغ يرددونه عن حقوق الإنسان، لكن في الواقع أكثر ما قد يزعجهم هو المصالح المشتركة بين روسيا وصربيا والتي لا تريد أوروبا أن تتطور أو أن تصبح في حال أقوى.
-
كيف تلخصون أصل المشكلة وطريقة التوصل إلى حل جذري؟
الحل يكمن في أن تعود الحقوق كلها إلى أصحابها. لا بد من إعادة سيادة البوسنة للمناطق التي سلبت منها، وهذه المشكلة هي نفسها في كوسوفو ومقدونيا ويجب أن تحل بنفس الطريقة. إذا رجعت هذه الحقوق إلى أصحابها فإن احتمالات أن يعم الهدوء ستكون أكبر، أما إذا لم يحصل ذلك فلن يكون هناك هدوء أو سلام.
وبجانب ضغط الاتحاد الأوروبي على صربيا ودول البلقان من خلال فتح الباب أمام انضمامهم إليه وبالتالي دفعهم إلى الالتزام بالسلام، يمكن للدول العربية والإسلامية أن تساهم بدور في إحداث نوع من التوازن في المنطقة من خلال دعم مسلميها. وهذا الدور يمكن أن يكون آلية فعالة، لكنه معدوم حتى الآن مع الأسف.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.