يثير ارتفاع الأسعار الكثير من الذعر اليوم، ليس في الدول العربية فحسب، ولكن في العالم بأسره. وجد استطلاع رأي أجرته صحيفة واشنطن بوست ونُشرت نتائجه في مايو/أيار الماضي أن 94% من الأميركيين يصفون أنفسهم بأنهم إما “قلقون” وإما “منزعجون” بشأن التضخم، وهو انزعاج مبرر تماما مع كون الأسعار ترتفع بأسرع وتيرة منذ نحو نصف قرن. (1)
ارتفاع الأسعار لا يتمثل فقط في كونك تدفع مبلغا من المال يفوق المبلغ الذي اعتدت دفعه سابقا للحصول على السلع والمنتجات نفسها، لكنه يظهر أيضا في كون السلع التي تشتريها باتت أصغر حجما، فأصبحت تدفع السعر نفسه أو أزيد مقابل الحصول على كمية أقل من السلعة.
في الولايات المتحدة الأميركية مثلا، واجهت شركة “مونديليز” مؤخرا العديد من الانتقادات بسبب تقليل وزن شريط شوكولاتة “كادبوري ديري ميلك” (Cadbury Dairy Milk) إلى 180 غراما بدلا من 200 غرام. كذلك خفضت شركة “PepsiCo” عدد الرقائق في عبوات دوريتوس، ووضعت شركة “دومينوز بيتزا” (Domino’s Pizza) عددا أقل من أجنحة الدجاج في عروضها. أيضا خفضت شركة “Burton’s Biscuit” ومقرها المملكة المتحدة وزن عبوات البسكويت برقائق الشوكولاتة التي تُنتجها إلى 200 غرام بدلا من 230 غراما. (2)
إذا كنت منتبها عند التسوق خلال الأشهر القليلة الماضية، فرُبما لاحظت أن بعض السلع أو المنتجات التي اعتدت شراءها قد تقلص حجمها، في حين بقي سعرها كما هو. هل لاحظت مثلا أن علبة الزبادي أصبح بها كمية أقل من المقدار الذي اعتدته سابقا، رغم كونها بالسعر نفسه؟ ينطبق الأمر نفسه على سائر الأطعمة والمشروبات وحتى منتجات النظافة والعناية الشخصية، لا تُكذب نفسك إذا لاحظت هذا، فالمنتجات التي تشتريها تعرضت لـ”الانكماش” رغم كونك ما زلت تدفع السعر المُعتاد نفسه.
لا تقف هذه الظاهرة عند حدود دولتك، فالانكماش في حجم المنتجات منتشر عالميا، وهو أمر مرتبط بالتضخم. في ظل ارتفاع تكاليف التصنيع، يُصبح الانكماش هو إحدى طرق الشركات للتكيف مع الأمر وتجنب تقليص هوامش أرباحها. ما تفعله الشركات هنا ببساطة هو أنها تُحمّل المستهلك التكلفة الإضافية عن طريق بيعه كمية أقل من السلعة بالسعر نفسه. (3)
كمية أقل.. بالسعر نفسه
أوضح تقرير نشره موقع “BBC” أن المستهلكين في المملكة المتحدة قد لاحظوا أن علب حساء الطماطم أصبحت تحتوي على كمية أقل مما كانت عليه، وأن علبة التونة التي كانت كافية لصنع ثلاث شطائر أصبحت تكفي اثنتين فقط (4)، يُشير التقرير إلى أن “الانكماش” الملحوظ في السلع في المملكة المتحدة ليس مبنيا على ملاحظة المستهلكين فقط، فهناك تقارير رسمية تؤكد حدوث هذا الأمر. فوفقا لمكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة، انخفض حجم أو وزن 2529 منتجا على أرفف المتاجر في السنوات الخمس بين 2012-2017.(5)
لاحظ مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني أيضا أن في السنوات التي أعقبت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تزايدت وقائع انكماش أو تقليص حجم المنتجات. كثير من السلع تأثرت وطُبِّق عليها “الانكماش”، بدءا من الشوكولاتة مرورا برقائق البطاطس والحبوب والحساء وصولا إلى طعام الحيوانات الأليفة ومنظفات الغسيل. في بعض الأحيان يظل السعر كما هو، وأحيانا يتم تقليله بشكل غير متناسب مع الانخفاض في الحجم أو الوزن، مما يجعل من الصعب على المتسوقين إدراك أنهم يدفعون أكثر. (2)
وفي الولايات المتحدة الأميركية قام باحثون في جامعة ولاية أريزونا وجامعة كورنيل بإجراء دراسة على حبوب الإفطار الأميركية، نُشرت الدراسة عام 2016، وأُجريت على مدى ثلاث سنوات، وفيها وجد الباحثون أن 15 منتجا قد عانت من انخفاض في حجم العبوة، الأمر الذي أدى بدوره في الغالب إلى زيادة التكلفة النسبية لكل أونصة.(6)
توضح صحيفة واشنطن بوست أن الانكماش وتقليص حجم السلع والمنتجات، خاصة السلع الغذائية، ليس أمرا حديثا، بل يمكن القول إن بدء تأريخ هذه الظاهرة يعود إلى عام 1969. في هذا العام نشر الفنان الفكاهي آرت بوخوالد عمودا بعنوان “التضخم المعبأ”، لفت فيه الانتباه إلى هذه الممارسة لأول مرة. أصبحت ظاهرة “انكماش السلع” أكثر انتشارا خلال السبعينيات، حيث بذل المصنعون جهودا للبحث عن طرق إبداعية لحماية هوامش ربحهم من زيادات التكلفة وركود النمو.
لماذا تُقلِّص الشركات حجم منتجاتها؟
غالبا ما تُرجع الشركات ارتفاع الأسعار إلى حدوث تغييرات كبيرة في تكلفة الإنتاج، يمكن إرجاع هذه التغييرات إلى عوامل عدة، أهمها مشكلات سلسلة التوريد التي تفاقمت بسبب انتشار وباء فيروس كورونا المُستجد “كوفيد-19″، وتداعيات الحرب في أوكرانيا. ولكن في الوقت الذي يختلف فيه الخبراء حول أسباب ارتفاع التضخم بشكل كبير، فإن قلة منهم يتوقعون أن ينحسر في وقت قريب.(1)
يدفع التضخم الشركات لاتخاذ إجراءات للحفاظ على أرباحها. الإجراء الشائع هنا هو زيادة الأسعار، لكن بعض الشركات ترى أن تقليص حجم المنتج ربما يكون أكثر مناسبة من رفع الأسعار بالنسبة إلى الكثير من العملاء. على سبيل المثال، عندما غيّرت ألواح الشوكولاتة “توبليرون” شكلها في بعض متاجر المملكة المتحدة، فإنها بررت ذلك بالقول: “لقد اخترنا تغيير الشكل لإبقاء المنتج في متناول عملائنا”.(4)
وفقا لواشنطن بوست، فإن نحو نصف تجار التجزئة في المملكة المتحدة يقولون إن من الأفضل لمبيعاتهم أن تقلص الشركات أحجام العبوات بدلا من رفع الأسعار.(2) السبب الرئيسي في ذلك هو سلوك المستهلكين، حيث تؤكد الإحصاءات أن الكثيرين منهم لا يلاحظون من الأساس أن المنتج قد تقلص حجمه، وحتى بعد الملاحظة، فإنهم قد يثيرون ضجة “مؤقتة” مقارنة بما يحدث في حال رفع الأسعارالأغرب من ذلك أن بعض الشركات تلجأ إلى تفسيرات غير تقليدية لتبرير سياسة الانكماش، فتقول إن تقليص حجم منتجاتها هو في الواقع وسيلة لتحقيق أهداف الصحة العامة أو حماية البيئة. مثلا، قالت شركة “نستله” إنها خفضت من أوزان منتجاتها في بعض الأحيان لتقليل السعرات الحرارية، بهدف محاربة السمنة والحفاظ على الصحة العامة، لكن الشركة نسيت أن تخبر المستهلكين لِمَ لم تخفض السعر أيضا. (7) (8)
كيف يُمكنك أن تتعامل بفاعلية مع الانكماش؟
في مواجهة موجة انكماش أحجام السلع والمنتجات الحالية، ربما يجب أن تكون حذرا وتقارن أسعار السلع والمنتجات المختلفة من خلال زيارة مواقع محلات البيع عبر الإنترنت، كما يمكن شراء السلع التي تحمل علامة المتجر بدلا من العلامات التجارية الكبيرة للحصول على أفضل قيمة مقابل المال. (2)
أما إذا كُنت لا تُفضِّل شراء احتياجاتك عبر الإنترنت، فقد يتعين عليك هنا التجول بين المتاجر المختلفة قبل التسوق. من خلال التجول في المتاجر الأخرى، قد تجد صفقة أفضل في مكان آخر مختلف عن المكان الذي اعتدت على الشراء منه. (3)
أيضا يُمكنك الحصول على بعض المنتجات بسعر أفضل إذا اشتريت كمية كبيرة منها. هنا يجب أن تتأكد أولا من أن لديك مساحة لتخزين فائض المنتج، أو التأكد من إن بإمكانك تقسيم الكمية التي ستحصل عليها من المنتج مع صديق أو أحد أفراد العائلة. قبل الشراء، يجب أن تتأكد أيضا من أن الصفقة جيدة، ستستطيع التأكد من هذا إذا تحققت جيدا من سعر الوحدة الواحدة، ثم حساب كم سيكون سعر هذه الوحدة إذا حصلت على كمية أكبر. إذا وجدت أن السعر أصبح أقل بدرجة كبيرة، فهذه طريقة جيدة لتجنب الانكماش.
وإذا اعتدت على التعامل مع علامة تجارية بعينها ولا ترغب في تغييرها، فقد يكون من المفيد البحث عن أحجام أخرى تُنتجها هذه العلامة للمنتج نفسه، القيام بهذا الأمر مفيد لأن الشركات لا تُعدِّل بالضرورة جميع عبواتها لمنتج ما في وقت واحد، لذلك قد تتمكَّن من شراء عبوة أكبر أو حتى أصغر والحصول على كمية أفضل، بدلا من شراء الحجم نفسه الذي تشتريه عادة.(3)
_________________________________________________
المصادر:
- How to Beat the Highest Price Hikes On Food, Clothing, Travel, Cars, More
- Why Is My Ice Cream Shrinking? Inflation by Stealth
- 7 Ways To Fight Shrinkflation
- The food you buy really is shrinking
- Shrinkflation and the changing cost of chocolate
- Competitive Package Size Decisions
- Biscuits and chocolates take the ‘shrinkflation’ test
- Food Packaging Shrinks, Prices Stay the Same
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.