تثير مسألة الإعجاز العلمي خلافا بين العلماء المسلمين والمختصين، بين من يؤيدها وله حججه، ومنها أن ثلث مجموع آيات القرآن الكريم هي إعجاز علمي، وبين من يعارضها لرفضه التوسع في استنطاق الآيات القرآنية وجعلها وعاء لأطروحات علمية قد يثبت بطلانها مستقبلا.
وسلطت حلقة (2023/6/7) من برنامج “موازين” الضوء على مفهوم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، تاريخه والجدل المثار بشأنه، بين تيارين مختلفين لكل منهما حججه الخاصة.
ويعرّف رئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، زغلول النجار، مفهوم الإعجاز العلمي، بأنه سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى كم هائل من حقائق الوجود قبل معرفة الإنسان بوجودها بـ 1400 سنة، أي أن القرآن سبق المعارف البشرية، مشيرا إلى أن الإعجاز العلمي هو الذي يميز القرآن الكريم عن الكتب السماوية الأخرى.
في حين يبدي الكاتب والباحث في شؤون الفكر الإسلامي، غازي التوبة، تحفظا على مصطلح الإعجاز العلمي، ويبرز أن مصطلح المعجزة قرره وضبطه علماء العقيدة، ويمكن تسمية الإعجاز العلمي بالحق العلمي.
ويشير إلى وجود 3 أركان في مصطلح المعجزة، أمر خارق للعادة، فيه تحد، وأن يعجز الآخرون عن الإجابة عنه، قائلا إن الله تعالى تحدى الأعراب والبشرية في 4 آيات في القرآن الكريم: في سورة الطور “فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين”، وسورة يونس “أَمْ يقولون افتراه ۖ قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين”.
وورد التحدي الثالث في سورة هود “أم يقولون افتراه ۖ قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين”، وفي سورة البقرة “وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين”.
التفسير العلمي وضوابطه
وعن مفهوم التفسير العلمي للقرآن الكريم والهدف منه، يقول أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة قطر، عبد السلام المجيدي -في مداخلته ضمن حلقة برنامج “موازين”- إن التفسير العلمي للقرآن الكريم هو مثل التفسير العلمي للسنة، إذا التزم به من يقول بهما بالضوابط العلمية الدقيقة، مبرزا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله بعض اليهود عند وصوله إلى المدينة 4 أسئلة ليتأكدوا أنه نبي، فلما أجاب عنها تأكدوا أنه كذلك.
ويتضمن القرآن الكريم -يواصل المجيدي- حشدا هائلا من الآيات الكونية الفلكية، ففي سورة البقرة مثلا جاء في قوله عز وجل: “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون”، وسورة آل عمران في قوله تعالى: “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب”، فكأن لب الإنسان وهو خالص عقله هو الذي سيدرك عظمة هذه الآيات، ولذلك قال الله تعالى في سورة فاطر في سياق حديثه عن الآيات الكونية: “إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ”، أي أن الذي يخشى اللهَ حق الخشية هم العلماء ومعهم من يتفكرون في الكون.
ويقول إن التفسير العلمي يمكن أن يكون سبيلا عظيما لتثبيت مبدأ الوحدانية إذا التزم أصحاب هذه الرؤية العلمية بالضوابط، مشيرا إلى أن التفسير العلمي للقرآن كان سببا في إسلام بعض الذين نظروا فيه وفق تلك الضوابط.
أما الكاتب والباحث في شؤون الفكر الإسلامي غازي التوبة فيرى أن التفسير العلمي الذي له أصول وضوابط ومدارس يختلف عن الإعجاز العلمي الذي يمكن أن يطلق عليه الحق العلمي، ويمكن الاستفادة منه في البناء النفسي والعقلي للمسلم والتدليل على وحدة المخلوقات ووحدانية الخالق وما يتعلق بصفات الله. والمقصود من الآيات الكونية هو ربط الإنسان بتعظيم الله وحبه وخوفه ورجائه وليس إثبات حقائق علمية.
كما لا يُخفي معارضته لمسألة الربط بين الآيات الكريمة والإعجاز العلمي بحجة أن الآيات تحمل ما لا يحتمله سياقها.
وفي المقابل لا يرى رئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر “زعلول النجار” وجود فارق بين الإعجاز العلمي والحق العلمي، ويقول إن الإعجاز العلمي لم يأت لتحريك المشاعر وإلجاء الناس إلى الله سبحانه وتعالى، وإن ثلث مجموع آيات القرآن الكريم هي إعجاز علمي. ويعطي مثالا الآية الكريمة في سورة الذاريات “والسّماء بنيناها بأيد وإنّا لمُوسعون”، ويعتبرها من أهم آيات الإعجاز العلمي والتي أسلم بسببها العديد من علماء الغرب.
وعن أبرز المآخذ على منهج الإعجاز العلمي، يعددها عبد السلام المجيدي في عدة نقاط منها: عدم الإحاطة بالأقوال التفسيرية، والجزم أن المعنى الذي وصل إليه المفسر هو الصحيح، وتحميل الآية ما لا تحتمل، وأن يظن أن التفسير العلمي هو السبيل الوحيد للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.