بدأ عرض مسلسل “الصومعة” (Silo) منذ الخامس من مايو/أيار الجاري على منصة “آبل تي في بلس” (+Apple TV)، مقتبسًا من سلسلة قصصية لهيو هاوي نشرت تحت اسم “وول” (Wool) عام 2011.
تم شراء حقوق تحويل السلسلة إلى فيلم سينمائي من إخراج ريدلي سكوت ثم توقف المشروع، وبعدها تحول إلى مسلسل، وانتقل من “توينتيث سينشري فوكس” (20th Century Fox) إلى “آبل”، ليخرج للنور على يد غراهام يوست، وبطولة ريبيكا فيرغسون، على مدار 10 حلقات يستكمل عرضها في 30 يونيو/حزيران المقبل.
صومعة الخيال العلمي والفلسفة
تدور أحداث المسلسل في مستقبل لم يتم تحديد زمنه، بعد كارثة بيئية قضت على الحياة على الأرض، فكان على مجموعة من البشر بناء “صومعة” تتكون من أكثر من 100 طابق. وتم محو تاريخ هذه الجماعة فلا أحد يعلم متى تم بناء “الصومعة” أو من بناها، أو متى سيتاح لساكنيها الخروج منها.
تحكم أهل “الصومعة” مجموعة من القوانين تحدد من ينجب ومتى، ولكن القانون الأهم هو أن من يطلب الخروج سيحصل على طلبه مباشرة، وهو الأمر الذي يشبه -من وجهة نظرهم- الانتحار.
على الجانب الآخر، توجد أصوات خافتة تندد بهذه القوانين وترى أنها قمعية، وتهدف إلى السيطرة على حياتهم، والأهم أنها تخفي حقيقة العالم الخارجي الذي يمكن أن تكون الحياة فيه طبيعية.
يبدأ المسلسل بمأمور الصومعة الذي يطلب الخروج، ويكتشف المشاهد أن زوجة المأمور كانت من المؤمنات بنظرية العالم الخارجي الآمن، وخرجت منذ 3 سنوات بالفعل.
قبل غياب المأمور هولستون يختار خليفته التي تثير الكثير من الجدل، فهي مهندسة ميكانيكية من الطبقات الدنيا في الصومعة، ومعها تبدأ مغامرة الكشف عن الحقيقة.
مسلسل “الصومعة” من الأعمال التي يمكن قراءتها بطرق متعددة؛ فهو من ناحية “خيال علمي” يتخيل صورة مختلفة للحياة على الأرض والنتائج المؤسفة وشبه الحتمية للتلوث البيئي الذي ينوء بحمله كوكبنا البائس لقرون.
العمل أيضا من النوع المصنف “إثارة وتشويق”، فهو يحمل في طياته سؤالين ملحين:
- الأول: حول تاريخ الصومعة وبناتها ونواياهم تجاه أهلها؛ هل هؤلاء السكان بالفعل محميون من الخارج، أم حبيسو وهم كابوسي؟
- الثاني: ماذا حدث ويحدث بالخارج؟ فالمأمور ومن قبله زوجته رأيا بالفعل صورة مختلفة عن الرائج في أذهان الساكنين داخل الصومعة، ولكن المسلسل توقف عند هذه النقطة، ولم يطلعنا على أي جزء من العالم الخارجي سوى لمحتين، ويركز على ما هو داخل الصومعة، فهل تكون إجابة هذا السؤال في الحلقة الأخيرة؟
الجانب الثالث الذي يمكن قراءة مسلسل “الصومعة” عبره هو الناحية الفلسفية للعمل؛ فهو يستدعي الكثير من الأفكار حول حياة الإنسان على الأرض، وهل جنسنا البشري ذاته كذلك حبيس صومعة أخرى مجازية، يخلقها بناة آخرون، مثل أصحاب الأيديولوجيات المسيطرة، أو الحكام السياسيين، أو أي جهة أخرى.
طبقية الصورة في “الصومعة”
تنفرد مسلسلات “آبل” عادة بالميزانيات العالية، والاهتمام بالصورة والإخراج بشكل مواز لأسماء نجوم العمل، ظهر ذلك بشكل واضح في مسلسل “سي” (See) وهو مسلسل “ديستوبيا” يتخيل حياة البشر بعد وباء أفقد أغلب سكان الأرض أبصارهم.
مسلسل “الصومعة” كذلك يظهر فيه الاهتمام ذاته بالصورة، يبدأ ذلك بتصميم الصومعة نفسها، التي تشبه مبنى متعدد الأدوار يعيش فيه 10 آلاف إنسان مقسمين على طوابق، كل مجموعة منها مخصصة لغرض محدد.
الطوابق الدنيا تحتوي على الآلات التي تضمن سير الحياة، مثل مولد الكهرباء، ثم الطوابق الوسطى التي يسكنها ويعمل بها الأطباء، والطوابق العليا للسياسيين، ولكل طابق سماته البصرية الخاصة، سواء من حيث الأثاث أو الإضاءة المستخدمة، بما يعبر بشكل ممتاز عن فكرة “الطبقية” المسيطرة على المسلسل، وتعد جزءا من فلسفته ورؤية صناعه لعالمنا الحقيقي.
وفي مسلسل تدور أحداثه في المستقبل، وفي مجتمع محدود وطبقي للغاية، تصبح الثياب “علامة بصرية” تحمل الكثير من الدلالات؛ فملابس الطبقة الدنيا العملية للغاية لا تتشابه مع ملابس الطبقة الوسطى الأقرب لملابس البشر في الوقت الحالي، بينما الطبقات العليا تتميز بملابس أكثر رسمية، مثل ملابس “المأمور” و”العمدة”.
من الخاص إلى العام
تربك جولييت نيكولز هذه الحسابات الطبقية الدقيقة، عندما تنتقل بين الطبقات مرتين؛ فهي ابنة طبيب الصومعة، لذلك بدأت حياتها واحدة من الطبقة الوسطى وأصحاب الياقات البيضاء، ثم هبطت بكامل إرادتها للعمل في الطبقات الدنيا مع أصحاب الياقات الزرقاء.
وبعد أن أصبحت المأمورة، التحقت بالطبقة العليا للحكام، وهذه الحركة بين الطبقات إشارة إلى الطبيعة الثورية التي تمتلكها جولييت حتى وإن كانت لا تدري، وما يجعلها بطلة المسلسل بالفعل، وتحمل لواء التغيير لسكان هذا العالم الدرامي.
قبلت جولييت منصب المأمورة للبحث عن قاتل حبيبها المناضل الثوري جورج، الذي كشف أسرارا حول حقيقة وبداية الصومعة، ولكن لم تتح له الفرصة لتبادل هذه المعلومات مع الآخرين، ومن خلال بحثها الحثيث عن الانتقام تكتشف إنها محملة بمسؤوليات أكبر، وإجابات أسئلتها ليست بهذه السهولة ولن تقودها وحدها للخارج.
وصف نقاد موقع “روتن توماتوز” ( Rotten Tomatoes) المسلسل قائلين “من خلال الكتابة البارعة وتصميم الإنتاج المذهل والقوة والنجومية التي لا تقدر بثمن لريبيكا فيرغسون؛ فإن “الصومعة” عبارة عن صندوق غامض يستحق الفتح”، وهو ما ينعكس في مستوى التشويق والإثارة التي يقدمها المسلسل وتزيد ترقب المشاهدين للحلقات القادمة لحل لغز “الصومعة” وسكانها.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.