مبكرا عن المرات السابقة بدأت الاستعدادات في مصر لانتخابات الرئاسة لعام 2024، وهي الانتخابات التي يرجح أن يخوضها الرئيس عبد الفتاح السيسي ليختتم مدته الرئاسية عام 2030، ما لم يعدل الدستور الحالي قبل هذا التاريخ.
ورغم أنه لم يصدر أي تصريح رسمي عن الرئيس أو مؤسسة الرئاسة حول عزم الرئيس السيسي إعادة ترشحه، فإن الدلائل كلها تشير إلى إقدامه على ذلك، خاصة أن كافة الأحاديث الجارية في كواليس المعارضة عن الدفع بمرشح قوى أمامه لم يصدر بشأنها نفي رسمي، كما لم يصدر نفي لنية الرئيس في تجديد ترشحه.
وعلى ذكر المعارضة، فالحديث ما زال قائما بشكل متواتر عن إقدامها على تقديم ما يسميه البعض “المرشح المفاجأة”، ورغم أن الدلائل أصبحت تشير إلى نية الدفع بأحد نواب البرلمان السابق من قوى 25/30 [التي دعمت حراكي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013] للترشح في تلك الانتخابات، فإنه في الوقت ذاته لن تشهد الانتخابات على الأرجح تكرار بروز مرشح منتم للمؤسسة العسكرية، كما حدث عام 2018 عندما عزم الفريق سامي عنان الترشح للرئاسة، وهو ما أثار ردود فعل كثيرة من السلطة التي أحالته للتحقيق لأسباب أعلن أنها فنية صرفة.
بهذه المعلومات لا يرجح أن تكون الانتخابات كسابقتها عام 2018، تتم عبر مرشح أشبه بالدوبلير [البديل في السينما] أو الممثل المغمور، مثلما حدث في الانتخابات السابقة عندما ترشح رئيس حزب مهمش وحصل على 2.9% من أصوات الناخبين، في اقتراع شارك فيه 41% من الـ59 مليون نسمة الذين يملكون حق التصويت، وكانت نسبة الأصوات الباطلة فيه كبيرة تصل إلى 6%.
الحديث مبكر عن المشاركة في العملية الانتخابية من قبل الناخبين، لكن من غير المبكر الحديث عن المشاركة من زاوية الترشح. ورغم أن هناك تيارا ليس هامشيا يرفض المشاركة، ويعتزم الدعوة لمقاطعتها على اعتبار أنه لا أمل في إجراء انتخابات في ظل أجواء الإغلاق المحكم للمجال العام في مصر، مما يجعل أية انتخابات بمثابة مسرحية لتلميع وجه السلطة في الداخل والخارج، فإن كثيرين آخرين يعتزمون المشاركة من قبيل عدم ترك الساحة للغير، حتى لو كانت النتيجة معروفة ابتداء، وهي فوز مرشح السلطة. هؤلاء ما زالوا يراهنون على الضمانات الأساسية التي يمكن أن تجرى فيها أية انتخابات حرة نزيهة.
ضمانات النزاهة المطلوبة
لا شك أن واحدا من أهم ضمانات النزاهة هو أن تجرى الانتخابات في مناخ صحي حتى لو عرفت نتيجتها مسبقا. أبرز الإجراءات التي تحقق ذلك هي:
- ترك الساحة للمعارضة لعقد المؤتمرات والاجتماعات وإجراء دعاية انتخابية حرة بشكل تام وعلى قدم المساواة مع مرشح الدولة، والأهم من ذلك رفض تدخل المؤسسات الإدارية والإعلامية التابعة للدولة سواء بشكل رسمي كـ”ماسبيرو” [التلفزيون الرسمي المصري] أو غير رسمي كبعض الفضائيات، في الدعاية الانتخابية لأي مرشح.
- قيام الهيئة الوطنية التي تشرف على الانتخابات الرئاسية بدورها عبر:
- الرقابة الصارمة على الإنفاق الدعائي، بحيث تضمن احتساب أية أموال تنفق من قبل الشخصيات الطبيعية المصرية ضمن سقف الدعاية الانتخابية (للمرشح المعني) [20 مليون جنيه في الجولة الأولى].
- منع الأشخاص الاعتباريين من التدخل في العملية الانتخابية إعمالا لنص القانون رقم 22 لسنة 2014 بشأن انتخابات الرئاسة.
- الرقابة الحقيقية -وليست الصورية- لمنع المؤسسات الدينية من التدخل في الانتخابات.
- السماح للجان من أساتذة الجامعات والخبراء والمتخصصين برصد تجاوزات الإعلام في الدعاية الانتخابية، وعدم الاعتماد في ذلك على القضاة لأن الأمر فني لا قضائي، يقتضي معرفة المراقب بأنواع المحتوى والقدرة على التفرقة بين الخبر والإعلان والرأي، وطريقة استخدام اللغة أو المساحة الممنوحة لدعم مرشح على حساب آخر.
- تعقب المشهد المتكرر في الانتخابات الرئاسية البرلمانية منذ عقود، والمتمثل في انحياز بعض وسائل الإعلام، للمرشحين الذين يشغلون مناصب تنفيذية حيث يتم إبراز وأحيانا تضخيم تحركاتهم اليومية لافتتاح مشروعات أو إنجاز أعمال. وينبغي للهيئة التحلي بالمرونة في التعامل مع الجهات المحلية والأجنبية التي ترغب في مراقبة الانتخابات، عبر منحهم صفة “المراقبة” وليس صفة “المتابعة”، وفقا لمعايير الرقابة الدولية على الانتخابات المتعارف عليها.
يظل ملف سجناء الرأي والمحبوسين احتياطيا مؤرقا للكثيرين، وفتح المجال العام عبر إصدار عفو عام عنهم ودمجهم في المجتمع، سيشكل أحد الإنجازات السريعة غير المكلفة ماديا للرئيس المصري قبل الانتخابات
وبالطبع، هناك تطورات تستحق الذكر تجعل أجواء انتخابات 2024 أفضل نسبيا من أجواء انتخابات 2018، إذ:
- تم إلغاء العمل بقانون الطوارئ في 25 يناير/كانون الثاني 2021، مما يفترض معه أن تكون هناك حرية كاملة للقوى السياسية المشاركة في الانتخابات لإجراء حملاتها الانتخابية بيسر وسهولة ودون منع أو تعقب.
- ويفترض بناء على النقطة السابقة أن المظهر المخيف للدبابات التي تقف أمام المقرات الانتخابية عام 2018 وأدت لارتفاع نسبة العزوف، لن يتكرر.
- الاقتراح المقدم من مجلس أمناء الحوار الوطني في منتصف أبريل/نيسان 2023 بتعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات ليضمن بقاء الإشراف القضائي على الانتخابات بصيغة قاض على كل صندوق، إذ لا يزال الناخب المصري يضع ثقته في القضاة أكثر من غيرهم للإشراف على أعمال التصويت والفرز.
ملفات الرئيس الانتخابية
وبشأن الانتخابات القادمة تحديدا، وإذا ما شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي بها كمرشح، وهو على الأرجح سيحدث، فإن هناك عددا من الأمور المهمة التي يمكنه عبرها أن يحقق تفوقا غير مسبوق:
- الآثار الاجتماعية للوضع الاقتصادي: إذ ينبغي العمل على تحييد أثر الظروف الدولية قدر الإمكان، على أسعار السلع والخدمات، ووضع برنامج تفصيلي مفهرس زمنيا لحل أزمات المجتمع المرتبطة بالخفض المتوالي لقيمة العملة المحلية، وما تبعه من زيادة معدلات الفقر، والرفع غير الكافي للأجور والرواتب.
- الحد من ارتفاع الدين الخارجي: وقد شهد هذا الدين في السنوات الست الماضية قفزات غير طبيعة، معظمها على ما يبدو ناتج عن الطفرة الكبيرة في الطرق ووسائل النقل، على النحو الذي صرح به الرئيس السيسي نفسه في عيد الشرطة الماضي، قائلا إن هذا البند وحده كلف الدولة تريليوني جنيه، وهو يعادل عمليا أكثر من نصف الدين الخارجي.
- ملف سجناء الرأي والمحبوسين احتياطيا: فرغم وجود ملفات أخرى مهمة كالزراعة، والصناعة بغرض التصدير، ودعم الميزان التجاري، وإنعاش الوعاء الضريبي، فإن هذا الملف يظل يؤرق الكثيرين. وبعبارة أخرى، فإن فتح المجال العام من خلال الإفراج عن سجناء الرأي، عبر إصدار عفو عام عنهم، وكذلك الإفراج عن الموقوفين احتياطيا الذين تحول توقيفهم إلى عقوبة بحد ذاته، ودمج كل هؤلاء في المجتمع، كل ذلك سيشكل أحد الإنجازات السريعة غير المكلفة ماديا قبل بدء التصويت، وستنعكس إيجابا في نتيجة تلك الانتخابات.
- إصلاحات في نظام التمثيل: بإلغاء نظام تسمية نواب البرلمان عبر التعيين أو التزكية أو إقرار الانتخاب بنظام القوائم المطلقة الذي هجرته النظم الانتخابية في بلدان العالم، وهو النظام الذي حول عضوية البرلمان إلى عملية وراثية.
تبقى أخيرا الإشارة إلى أن العيون ستبقى معلقة على مخرجات “الحوار الوطني” بلجانه الـ19، لضمان أن تتحول تلك المخرجات إلى قرارات تنفيذية وليس مجرد توصيات توضع في الملفات.
عندئذ ستصبح الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024 معركة حقيقية يخوضها مرشحون أكفاء، ويشهد لها القاصي والداني بالنزاهة والشفافية.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.