يمتهن فالح الحوامدة (61 عاما) في محافظة جرش (شمال العاصمة عمان) حرفة نحت الصخور منذ نحو 35 عاما، بعد أن تعلمها من والده الذي كان يعمل في مديرية آثار جرش (حكومية)، إلا أن التلميذ تفوق على معلمه في مستوى الإتقان، وتحول إلى عنوان للباحثين عن الروعة والجمال.
وتحول منزل الحوامدة -وكنيته “أبو فياض”- وسط مدينة جرش إلى معرض فني يتزيّن بمنحوتاتٍ أبدع في تشكيل أدق تفاصيلها من تماثيل ومقاعد وحيوانات وطيور وغيرها.
بقميص أزرق يميل لونه إلى البياض من غبار الصخور الذي يتطاير عليه أثناء النحت، يمضي الحوامدة ساعات اليوم باحثا عن ذاته، محاولا نسيان حزن عميق يعيش داخله؛ فالشيب وتفاصيل وجهه يخفيان قصة ألم لم يستطع نسيانها رغم مرور سنوات عليها.
منحوتات متنوعة
وبضحكة مغلّفة بحزن عميق، يقول الحوامدة “لدي القدرة على نحت أي شكل ومنظر يخطر في البال على الحجر والرخام مثل التماثيل والطيور والتاجيّات اليونانية والرومانية ونوافير المياه، وغيرها”. وتابع “ليس لدي وقت محدد للعمل، فكلما اشتقت للصخور أتوجه إليها، وأمضي معها نحو 6 ساعات على الأقل”.
الحوامدة يجد سعادته في الخلوة مع الصخور والابتعاد عن الناس لينفرد بحزنه على ولده من جهة، وإتقان ما يقوم به من جهة أخرى، قائلا” أنا أعيش وحدي هنا، جميع أولادي متزوجون، ولكني أشعر بالراحة”.
وأضاف” فقدت أصغر أبنائي في حادث دهس عام 2012، ومنذ ذلك الوقت أحاول الابتعاد عن الجميع، والبقاء وحيدا”.
متعة الوحدة
رغم أنها مهنته الوحيدة التي يعيش منها، فإن الصخور وسيلة يلجأ إليها الحوامدة محاولا بها طيّ الوقت، كي لا يدفعه الفراغ إلى استذكار حادثة دهس قبل 11 عاما أودت بحياة أصغر أبنائه الستة وأقربهم إلى قلبه.
وحيدا، يعيش الحوامدة في منزله، فهو منفصل عن زوجته منذ أكثر من 20 عاما، إلا أن أبناءه لا ينقطعون عن زيارته مع زوجاتهم وأحفاده، لكنه يجد متعته في “الوحدة” بين الصخور، بعيدا عن قسوة الحياة ومعاناتها، كما قال للأناضول.
وتابع” أنا أعمل في نحت الصخور البازلتية السوداء والرسوبية البيضاء والرخام منذ أكثر من 35 عاما”. وأضاف “والدي رحمه الله كان موظفا في مديرية آثار جرش، وتعلم النحت من خلال وجوده داخل الموقع الأثري، وعمل في هذه الحرفة 35 عاما، وأنا تعلمتها منه، ورغم وفاته وهو في عمر 95 عاما فإنه لم يتوقف لحظة عن توجيهي بفنيات وتقنيات نحتية جديدة”.
لمسة جمالية
وبخصوص منحوتاته والوقت الذي تحتاجه لإخراجها في صورتها النهائية، قال الحوامدة “أعمل وحدي ولا يساعدني أحد، وبعض المنحوتات تحتاج مني وقتا يزيد على 10 أيام نظرا لدقة العمل فيها، وفي الشهر الواحد يصل إنتاجي إلى نحو 40 قطعة”.
واستطرد “أكثر ما يُطلب مني ممَّن يريدون أن يضفوا جمالية ولمسة فنية داخل منازلهم هي مقاعد منحوتة للحدائق ورؤوس الأسود والصقور والنحت القديم”. واستدرك “بصراحة المنتجات مكلفة، وما يكلّفني هو ثمن الحجر الذي يأتيني من مناطق مختلفة من محافظات المملكة”.
وختم حديثه بأن الأدوات المستخدمة معروفة لدى النحاتين بـ”منقار وأزاميل وشواكيش ومطرقة”، معرّفا أسلوبه بالنحت بأنه “نفر وحفر”.
وتقع محافظة جرش على بعد 48 كيلومترا شمال العاصمة عمان، وتعرف على مستوى العالم بمهرجانها الفني السنوي الذي يقام في المدينة القديمة “الرومانية” وترعاه وزارة الثقافة.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.