“أفكر في أفلام الرعب على أنها أفلام تجعلك تواجه جوانب من حياتك يصعب مواجهتها. فقط لكونك تصنع فيلم رعب لا يعني أنه لا يمكنك صنع فيلم فني”.
ديفيد كروننبرغ
تخيل أن يظهر على شاشة السينما مصاص دماء، أو منزل مسكون، أو شبح ذو قدرات خارقة، أو مخلوقات فضائية مثيرة للريبة، لكن بدلا من أن يحبس المشاهدون أنفاسهم أو تتسارع دقات قلوبهم، على العكس يطلقون الضحكات والتعليقات الساخرة، ليتحول مصاص الدماء من مصدر للرعب إلى مصدر للسخرية. في الواقع أنت لا تحتاج إلى التخيل، فهذا المشهد كثيرا ما يحدث بالفعل عند عرض العديد من أفلام “الرعب” وأفلام “الخيال العلمي” العربية، نظرا لسذاجة أغلب هذه الأعمال.
إذا عدنا بالتاريخ العربي إلى الخلف فسنجد أننا نملك تراثا غنيا بالخيال، بداية من حكايات ألف ليلة وليلة التي تحفل بالعديد من الحكايات والرموز الخارقة، كما يوجد بها بعض الحكايات التي يمكن أن تُعَدَّ من أوائل نماذج الخيال العلمي المبكرة، ولعل أبرزها حكاية فرس الأبنوس الطائر، التي ألهمت العديد من كُتَّاب الغرب، ويبرز تأثيرها في حكايات كانتربري لجيفري تشوسر.(1)
ومن ناحية أخرى، طالما حفلت الثقافة الشعبية العربية بقصص حول الجن والغول والعفاريت، والعديد من الرموز والمفردات المحلية التي يمكن استغلالها في إثراء العالم السينمائي، وهي المفارقة المثيرة للتأمل، فيبدو وكأن هناك نوعا من القطيعة الحادة مع هذا التراث، إذ لم تتمكن السينما العربية حتى الآن من إنتاج أعمال قوية سواء في إطار الخيال العلمي أو الرعب، اللهم إلا تجارب معدودة.
الرعب والخيال العلمي.. الخوف الإنساني من المجهول
رغم وجود اختلافات جوهرية بين النوعين، فإن هناك قواسم مشتركة بين كلٍّ من أفلام الرعب وأفلام الخيال العلمي. فبينما تركز سينما الرعب على خلق وتجسيد المخاوف واستكشافها، تتعامل أفلام الخيال العلمي عادة مع التقدم التكنولوجي وما يولده من شعور بانعدام اليقين والخوف أمام المجهول، والاكتشافات العلمية المتوالية التي لا يملك الإنسان أمامها إلا استشعار عجزه وضآلته، ما يجعل كليهما مساحة مفتوحة لفحص مشاعر الخوف الإنساني بشكل أو بآخر.
وفي السينما العربية هناك قاسم مشترك آخر بين النوعين، وهو أن كلًّا من أفلام الرعب وأفلام الخيال العلمي العربية تتسم بتواضع المستوى ولا تخلو من السذاجة. في حديث خاص لـ”ميدان” مع الناقدة السينمائية علياء طلعت، علقت على ذلك قائلة: “لا يبدو اختيار نوعي الخيال العلمي والرعب للحديث عنهما معا أمرا غريبا، بل هو أقرب للمنطق، فرغم اختلافاتهما فإن هناك تشابها قويا بينهما، حيث يجمعهما الخيال الجامح والبُعد عن العالم الواقعي، وإن كان أحدهما يضع منطقا ما ورائيا للخيال، والآخر يضع له منطقا علميا”.
وتعقيبا على تواضع وسذاجة أغلب الأعمال العربية أضافت علياء: “إن أغلب صناع الأفلام العرب لديهم فهم قاصر للنوع السينمائي، ويكتفون بمشاهدة ثيمات محدودة وإعادة إنتاجها، وغير منفتحين على التنويعات المختلفة في أفلام الرعب والخيال العلمي أو على التطور الحادث في النوعين”، مضيفة أن ذلك يؤدي إلى إعادة إنتاج الحبكات المعتادة والمقلدة بشكل رديء ومتواضع فنيا، بدلا من إنتاج أعمال خاصة بنا ونابعة من ثقافتنا.
ترى علياء طلعت كذلك أن ضعف الإنتاج والضعف التقني الذي يسوقه بعض صناع السينما مبررا لضعف الأفلام مجرد حجة يمكن تجاوزها، فهناك عدد كبير من أفلام الرعب والخيال العلمي التي قُدِّمت حول العالم بميزانيات متواضعة دون الاعتماد بشكل كامل على المؤثرات البصرية والتقنية، وهو ما تعيده مرة أخرى لقصور اطلاع صناع السينما.
تاريخ طويل من الخيبات
ظهر ما يمكن اعتباره أولى محاولات إنتاج فيلم رعب في العالم عام 1896، وكان من إخراج جورج ميلييه (Georges Melies)، وحمل عنوان “The Devil’s Castle”، وعقب سنوات قليلة تبعه ميلييه نفسه بفيلم “رحلة إلى القمر” الذي يصنفه مؤرخو السينما باعتباره أول أفلام الخيال العلمي.
في المقابل، تأخر ظهور النوعين في السينما العربية كثيرا، ولم تظهر أولى المحاولات إلا عام 1934، وذلك من خلال فيلم “عيون ساحرة” الذي يمزج بين الخيال والخوارق والماورائيات، حيث يدور حول الفتاة دليلة التي تستخدم السحر الأسود لإعادة حبيبها إلى الحياة.
تُلقي الأزمة التي عانى منها فيلم “عيون ساحرة” ومخرجه أحمد جلال ومنتجته آسيا داغر الضوء على العلاقة المبكرة بين السينما والرقابة، التي أثرت بشكل كبير على مسار هذا النوع من الأفلام فيما بعد، حيث واجه الفيلم رفضا من كلٍّ من الرقابة على السينما والأزهر، نظرا لتناوله موضوع إحياء الموتى، لولا تدخل رئيس الوزراء وقتها عبد الفتاح يحيى باشا، الذي أمر بعرض الفيلم بعد تغيير نهايته، على أساس أن البطلة كانت تحلم طوال أحداث الفيلم.
كثيرا ما لجأ صناع السينما إلى هذا النوع من التحايل على الرقابة الاجتماعية والدينية بسبل مختلفة، مثل تفسير خروج الأحداث عن المنطق باعتبارها حلما أو هلاوس، أو إنهائها بعقوبة أخلاقية للبطل، أو بعودته للطريق القويم. ونتيجة لذلك، قدمت السينما العربية عددا أفلام رعب اقتصر أغلبها على ثيمات محدودة، بعضها حمل طابعا أخلاقيا واجتماعيا يدور حول الصراع الأخلاقي بين الإنسان والشيطان، فيما بدا وكأنه اقتباس متكرر بأشكال مختلفة لثيمة فاوست للكاتب الألماني الأشهر غوته، ومن أبرز هذه الأعمال “سفير جهنم” عام 1954، و”موعد مع إبليس” عام 1955، و”المرأة التي غلبت الشيطان” عام 1973.
في غضون ذلك، ظهرت أفلام أخرى حاولت أن تقدم ثيمات مستقاة من الفلكلور الشعبي ومفردات عالم الجن والعفاريت، من أشهرها فيلم “الإنس والجن” عام 1985، الذي يدور حول جني (عادل إمام) يعشق إنسانة (يسرا)، وفيلم “التعويذة” عام 1987، الذي يتعرض أبطاله لظواهر خارقة مخيفة مرتبطة أيضا بعالم الجن والماورائيات، وينتهي كلا الفيلمين بقراءة الأبطال لآيات من القرآن الكريم لتنتهي جميع المشكلات بمنتهى البساطة.
بعد ذلك، جاء فيلم “الرقص مع الشيطان” عام 1993 الذي يتراوح بين الخيال العلمي والرعب أو الماورائيات ليقدم تجربة ناضجة نسبيا، الفيلم يتناول قصة الدكتور “واصل” -يؤدي دوره نور الشريف- الذي يعود من الاتحاد السوفيتي بعدما فقد إيمانه بالروحانيات واستسلم لسطوة العلم المادي، ليكتشف عقارا شيطانيا ينقله عبر الزمن ما بين الماضي والمستقبل، وهو ما يتزامن مع ظهور كلب أسود غامض. تقلب هذه الرحلات بين الأزمنة حياته رأسا على عقب وتكاد تدمرها، لكن الفيلم ينتهي باكتشاف أن العقار الشيطاني ما هو إلا عقاقير مسببة للهلوسة، وأن كل ما رآه واصل ما هو إلا هلاوس، ليستعيد واصل إيمانه وينتهي الفيلم وهو يردد الآيات القرآنية الكريمة من سورة لقمان: “إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
ومن مصر إلى المغرب، حيث جاء فيلم “قنديشة” عام 2008 بوصفه أول محاولة حقيقية لصناعة فيلم رعب مغربي، معتمدا على رمز فلكلوري من التراث المغربي هي عيشة قنديشة، مراوحا بينه وبين قصة معاصرة لمحامية تحاول الوصول إلى قاتل ابنها والانتقام منه. لاقى الفيلم احتفاء جماهيريا نظرا لكونه فيلم الرعب المغربي الأول.
وفي عام 2014 جاء الفيلم المصري “الفيل الأزرق” من إخراج مروان حامد والمأخوذ من رواية لأحمد مراد تحمل الاسم نفسه، ليمزج بين ثيمات الرعب النفسي والجن والعفاريت التي تتلبس الإنسان، وعقاقير الهلوسة والخلط بين الواقع والخيال، خلطة تميزت هذه المرة ببراعة مروان حامد الإخراجية، مع أداء تمثيلي متميز من كريم عبد العزيز وخالد الصاوي ونيللي كريم، بالإضافة إلى المؤثرات البصرية والتقنية التي كانت في ذلك الوقت قد حققت تطورا كبيرا، وهو ما أدى إلى نجاح جماهيري كبير، وإن تباينت آراء النقاد حول الفيلم. لاحقا، حقق فيلم “دشرة” التونسي نجاحا جماهيريا كبيرا عام 2018، ويُعَدُّ أول فيلم رعب من إنتاج تونسي.
أما إذا تناولنا أفلام الخيال العلمي في السينما العربية، فسوف نجد أن إرهاصاتها الأولى بشكلها الأقرب لما نعرفه الآن لم تظهر قبل خمسينيات القرن الماضي، حيث يعتبر الكثير من النقاد فيلم “رحلة إلى القمر” أول أفلام الخيال العلمي العربية، وقد أُنتج عام 1959 للمخرج حمادة عبد الوهاب، من بطولة رشدي أباظة وإسماعيل يس، وجاء في طابع كوميدي.
كان سباق الفضاء ومحاولات الوصول إلى القمر في أوجها في ذلك الوقت، ويبدو أن صناع السينما العرب كانوا على اطلاع جيد على تلك المستجدات العلمية، حيث أطلق الاتحاد السوفيتي المركبة “لونا 1” في يناير/كانون الثاني 1959، وعُرض الفيلم في العام نفسه بعد أشهر قليلة في أبريل/نيسان. يُذكر أن المركبة “لونا 1” لم تتمكن بالفعل من الهبوط على القمر، كما أن أول إنسان لم يهبط على القمر قبل عشر سنوات من هذا التاريخ في 1969، وهو ما يعني سبق أبطال فيلمنا في تحقيق هذا الحلم الإنساني، كما يُحسب للفيلم جودة صورته البصرية مقارنة بمعايير هذا الوقت.
لسبب ما ظلت أغلب أفلام الخيال العلمي العربية لفترة طويلة مغلفة بالكوميديا، بداية من فيلم “رحلة إلى القمر”، ومرورا بأفلام مثل “هـ 3″ عام 1961 للمخرج عباس كامل، و”آدم والنساء” المأخوذ من قصة للأميركي بات فرانك ومن إخراج السيد بدير، كما ظل تركيزها منصبا على تأكيد الطرح الأخلاقي، لقد ظل الخيال العلمي السينمائي مكبلا، وكأن صناعه لا يتمكنون من إفلات جموحه، فيسعون لتقييده دائما في قالب كوميدي. استمر الأمر على هذا النحو حتى عام 1987، عندما قدم المخرج كمال الشيخ فيلم “قاهر الزمن” المأخوذ من الرواية الأولى لكاتب الخيال العلمي ناهد شريف، الذي عُدَّ واحدا من أهم الرواد في مجال أدب الخيال العلمي العربي.
يعتبر النقاد هذا الفيلم بمنزلة أول محاولة جادة لتقديم سينما الخيال العلمي على الشاشة العربية، ويدور حول دكتور حليم الذي يكتشف طريقة لتجميد جسم الإنسان لسنوات وإعادته للحياة، يحاول الفيلم إيجاد توازن بين العلم والدين، فيبرر البطل ما يفعله بأنه تدخل في شأن الجسم لا شأن الروح التي هي من شأن الله تعالى وحده، يحتوي الفيلم على إشارات إلى عمليات التحنيط عند الفراعنة، وعلوم الفلك القديمة، ويناقش قضايا مثل حدود التجارب العلمية عند اصطدامها بالأخلاقيات، مثيرا مجموعة من الأسئلة الجادة.
يعد هذا الفيلم من أفلام الخيال العلمي العربية القليلة التي تنتصر للعلم في النهاية، فرغم احتراق المعمل، يتمكَّن البطل من إنقاذ الأبحاث، وينتهي الفيلم بمشهد للقاهرة المتخيلة عام 2110 وقد صار في كل مستشفى من مستشفياتها وحدة للتجميد.
ورغم كل هذه المحاولات، ظلت أفلام الخيال العلمي العربية باهتة إذا قورنت بنظيرتها الغربية. وكان ضعف الإمكانات التقنية والميزانيات هو السبب الرئيسي الذي فسَّر به النقاد وصناع السينما مسألة ضعف إنتاج أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب والفانتازيا وكل ما يبتعد عن الواقع، حيث يعتمد الاتجاه السائد في أفلام الخيال العلمي والرعب بشكل كبير على الإبهار البصري، سواء في المؤثرات البصرية أو المكياج، وهو ما عانت السينما العربية من غيابه لسنوات طويلة إذا ما قورنت بسينما هوليوود.
بالإضافة إلى ذلك، ظل إقبال الجهات الإنتاجية وصناع السينما على هذا النوع من الأفلام محدودا نظرا لمحدودية جمهور هذه الأفلام إذا ما قورن بجماهير الأفلام الواقعية أو أفلام الأكشن أو الكوميديا، وكلها أنواع تحظى بإقبال أوسع من الجماهير على المستوى العربي. من ناحية أخرى، عادة ما يقارن هذا الجمهور بين المستوى التقني للأفلام العربية ونظيره في أفلام هوليوود، مما يجعلهم يتشككون في مستوى الأعمال العربية، ويخلق حالة من الشك المتبادل بين الجماهير وصناع السينما.(2)
هروب من الواقع أم محاولة للتحايل عليه؟
“دائما ما تسلّيت بمراقبة هذا النهم المثير للشفقة الذي تُبديه الثقافة الشعبية تجاه أشكال الحياة على الكواكب الأخرى، بينما تقبع تحت أقدام هؤلاء الباحثين عن الكائنات الفضائية أبشع وأغرب وأروع أشكال الحياة التي يمكنهم تخيلها”.
ديفيد كروننبرغ
ربما يفيدنا كذلك النظر إلى علاقة هذه الأنواع السينمائية بالواقع ومدى ارتباطها به في فهم أسباب تواضع مستوي هذا النوع من الأفلام في العالم العربي. كان علماء النفس قد ربطوا الخيال العلمي بمحاولات الفرد للتهرب من الواقع وعدم القدرة على مواجهته، وهو الاستنتاج المبني على مقال لعالم النفس الأميركي روبرت ليندنر نُشر عام 1954، الذي يستعرض فيه حالة مريض أطلق عليه اسما مستعارا هو “كيرك إلين”، وعاش حياة خيالية اعتقد فيها أنه كان يعيش على كوكب آخر.
فسَّر ليندنر حالته بأنها نتيجة للهروب من كرب ذهني ناتج عن صدمة في الطفولة، وعلق على ذلك بالقول إن “اختلال ألين العقلي والنفسي هو ما دفعه لاعتناق نمط الحياة الخيالية التي تسودها القوة والمكانة عوضا عن خيبات الواقع”. لكن في المقابل، ربط العديد من النقاد الخيال العلمي بالنقد السياسي والاجتماعي، نظرا لقدرة هذا النوع على كسر قواعد الواقع من أجل استكشاف الأفكار والمفاهيم من زوايا جديدة، يمكننا رؤية ذلك في أعمال شهيرة مثل “مزرعة الحيوان” لجورج أورويل على سبيل المثال، وفي سلسلة أفلام الماتريكس، حيث تصبح أفلام الخيال العلمي محاولة لتجاوز سلطات الرقابة من خلال الاستعارات، وهو ما ينسحب أيضا على سينما الرعب التي يمكن أن تكون سبيلا مختلفا لاستكشاف الاتجاهات الثقافية والاجتماعية المختلفة. (4)
يرى الناقد والصحفي الأميركي جون كينيث موير أن أفلام الرعب تعكس مخاوف عصرها ومشاهديها، وأن سينما الرعب إذا لم تكن وثيقة الصلة بالحياة اليومية فهي ليست مرعبة. (5) ببساطة، يجسد الرعب مخاوفنا على الشاشة، يغوص في أعماقنا ويعيد تخليق مخاوفنا الواعية وغير الواعية بصور بصرية استعارية.
إذا تتبعنا تطور سينما الرعب من منظور اجتماعي، فسوف نجد أن أفلام الرعب في مجتمعات ما قبل الرأسمالية كانت مرتبطة بخوف الإنسان من الطبيعة، وهو ما تجسد على الشاشة في المخلوقات الخطيرة والماورائيات، وتحول بعد الثورة الصناعية وأهوال الحرب العالمية الثانية ثم التهديد النووي إلى رعب من نوع آخر، مرتبط بالتهديدات المصنوعة بيد الإنسان وما يفعله بالطبيعة، فيصبح مصدر الرعب في الغالب تجارب علمية تنحرف عن مسارها، أو مخلوقات فضائية غريبة، وتزدهر ثيمات مثل جودزيلا وفرانكنشتاين. وفي السبعينيات بإمكاننا تتبع أصداء القضايا النسوية في أفلام مثل “روزماري بيبي” عام 1968، و”كاري” عام 1976، التي تسمح للمشاهد بالتعايش مع آلام البطلة سواء الأم أو المراهقة. (6)
ومع ما شهده العالم من تغيرات حادة خلال العقدين الماضيين، سواء الصراعات والحروب والتغيرات المناخية المهددة والأوبئة القاتلة، عكست سينما الرعب وسينما الخيال العلمي شعور الإنسان بالتهديد في أفلام سيطرت عليها رؤى سوداوية ديستوبية للمستقبل.
على الجانب الآخر، استعارت الكثير من الأفلام العربية ثيمات لا تنتمي إلى الثقافة المحلية، على سبيل المثال استخدم فيلم “خط دم” عام 2020 ثيمة مصاصي الدماء، وهي ثيمة غربية تعود أصولها إلى فلكلور شرق أوروبا في القرن الثامن عشر، مما جعله يبدو عملا مضحكا وساذجا ولم يستطع المشاهدون التفاعل معه. (9)
حتى التجارب التي نجحت مؤخرا في دمج الرعب المحلي لم تكن بالعمق الكافي، فمثلا يأتي مسلسل “المداح” ليتحدث عن استخراج الجن عبر قراءة القرآن، وهو أمر متعلق بالفعل بحياة المصريين، لذلك جذب اهتمامهم لينتج من المسلسل ثلاثة أجزاء لاقت نجاحا واسعا، لكن حتى هذه التجربة واجهت مشكلتين، الأولى تتعلق بالمط الشديد لعرض قصة بسيطة في 30 حلقة رمضانية. أما الثانية فتتعلق بما تحدثنا عنه قبل قليل، وهو أن ثيمات الرعب والخيال العلمي (حتى العربية منها) تتجنب الدخول إلى حياة الناس ومخاوفهم الحقيقية، لأسباب سياسية بالطبع تحد بقوة من رواج هذه الأعمال الفنية، هنا يُحكَم على التجربة بالفشل حتى قبل أن تبدأ.
في النهاية، يواجه صناع السينما العرب حالة عامة من الركود لا يمكن فيها فصل الإبداع عن الواقع الاجتماعي والسياسي، وانعدام إمكانية التغيير بكل ما يؤدي إليه ذلك من شعور بالعجز المعطل للخيال. كما تظل حالة التشكك التي تواجهها المكتشفات العلمية والتعامل معها باعتبارها امتدادا لتراث أجنبي دخيل أحد المعوقات التي وقفت في طريق الخيال، وجعلت صناع السينما يلجؤون للالتفاف عليها. كل هذه القيود دفعت بهذه الأفلام إلى فخ السذاجة والسطحية، وقيدت الإمكانات الثورية للخيال. (7) (8)
—————————————————————————————-
المصادر:
1- الفرس الطائر من شهرزاد إلى تشوسر – مؤمن الوزَّان (muminalwazan.com)
2- أفلام الرعب العربية ليست مرعبة بل مثيرة للضحك فهل نستمر بإنتاجها؟ – العالم
3-السينما المصرية النشأة والتكوين- حلقة بحثية
4-هل أنت من محبي الخيال العلمي؟ علماء النفس يركزون أنظارهم عليك | أخبار ثقافة | الجزيرة نت
5-John Kenneth Muir’s Reflections on Cult Movies and Classic TV
6- Horror Film—The Decline of Capitalism Through the Lens
7-“Re-Imagining” Hegemony and Misogyny in the Contemporary Slasher Remake
8- What happened to Arab science fiction?
9- Religious Hegemony and “Muslim” Horror Movies
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.