صاغ ثلاثة علماء نفس تجريبيين مصطلحا جديدا هو “رهاب السُكّر” (شوغر فوبيا) عام 2007، وكان هدف العلماء كاثلين فوهس وروي بوميستر وجيسون تشين وصف الحالة التي يشعر بها الناس حين يتعرضون للخديعة، وأنه تم استغلالهم وامتصاصهم كما يمتص السكر.
قد يبدو الأمر مستهجنا للوهلة الأولى، ولكن مع البحث يتضح أن رهاب السكر ليس حقيقيا فحسب، بل وباء فعلي يصيب عددا كبيرا من البشر في مختلف أرجاء العالم، وتشير مترادفات كثيرة لوصف الحالة مثل الخديعة، الساذج، الأحمق، المخادع والمخدوع، الخاسر، والخائن إلى مدى تفشي هذا الأمر في المجتمعات أولا ومدى تأثيره النفسي والعقلي ثانيا.
هل أنا أحمق لهذه الدرجة؟
على أرض الواقع فإن أثر التعرض للخديعة قد يستمر لسنوات طويلة على نفسية الأشخاص المخدوعين، ويدمر ثقتهم بأنفسهم أولا ثم بالناس والمجتمع المحيط بهم ثانيا، خصوصا مع السؤال الدائم الذي يطارد الشخص المخدوع: هل أنا أحمق لهذه الدرجة؟
وفي هذا السياق، تؤكد الكاتبة تيس ويلكسون رايان عبر صحيفة “غارديان” البريطانية أن “رهاب السكر” أكثر من مجرد الخوف من الوقوع في خدعة ما، ولكن هو الشعور بأنك “مبتذل وساذج”، وقالت إن الخوف من هذه المشاعر المدمرة وما يمكن أن تفعله في النفس هو الأهم.
وتضرب الكاتبة بعض الأمثلة البسيطة مثل أن تشتري شيئا عبر الإنترنت ثم تكتشف أن ما اشتريته ليس بالمواصفات التي تم عرضه بها، أو أن يكلف طعام العشاء في أحد المطاعم أكثر من التكلفة الحقيقية، أو أن تتورط بعلاقة هدفها الابتزاز، وغيرها من الحالات، وهناك عمليات امتصاص وخداع أكبر من الممكن أن تكلف عشرات آلاف الدولارات كما حدث مع روز شتاين.
خديعة روز
اتخذت حياة روز شتاين منعطفا كارثيا في أبريل/نيسان 2022 حسب منصة “إيه إيه أربي”، وبدأ الأمر عندما قرأت منشورا صغيرا من 9 كلمات على منصة إنستغرام.
كانت روز (75 عاما) تعيش وحدها في إحدى ضواحي مدينة لوس أنجلوس الأميركية، وكانت معجبة بمذيع تلفزيوني مشهور، وعندما وجدت ملفه الشخصي على منصة إنستغرام قررت مراسلته، فبعثت له رسالة “لقد قمت بعمل رائع في برنامجك الأخير”، وبعد وقت قصير تلقت رسالة بدت كأنها من المذيع التلفزيوني “شكرا جزيلا لإعجابك ورسالتك اللطيفة”.
وفي الرسالة التالية اقترح عليها الاتصال عبر سكايب، وذلك لمزيد من الخصوصية، ودار بينهما حديث ودي لم يدم طويلا بسبب انشغاله كما قال، لكن شتاين كانت تطير فرحا وسعادة.
تقول شتاين “في أحد الأيام كتب لي عبر سكايب قائلا: سأرسل لك هدية، وقلت: لا أريد شيئا، أنا سعيدة فقط بصداقتنا، ولكنه أصر قائلا: لا، عندما يكون لدي معجبون خاصون أريد أن أرسل لهم هدايا تعبر عن امتناني لهم”.
لم تكن لديها أدنى فكرة عن “الهدية” التي أخبرها أنها قادمة من سويسرا، والتي ستصبح كابوسا يغير حياتها، بدأت شركة الشحن المفترضة تطلب منها دفع الرسوم والضرائب لمواصلة الشحن الدولي، وحثها “المذيع الشهير” على الدفع لأن أمواله “كانت مقيدة”، وأخيرا أخبرتها الشركة أنها اكتشفت أن العبوة تحتوي على نقود، وأنه سيتم اتهامها بغسل الأموال إذا لم تدفع 15 ألف دولار.
واستمرت الشركة في المطالبة بالمزيد من الأموال حتى بعد أن أخبرت الشركة أنه لم يتبق في رصيدها سوى 500 دولار لشراء الطعام ودفع فواتيرها.
أصبحت شتاين في حيرة من أمرها وخجلت من إخبار أي شخص “كنت أبكي كل يوم وأنا لا أعرف ما يجب القيام به، وأنا آخذ المال من تقاعدي ومدخراتي التي كنت أوفرها منذ سنوات”، وفي وقت ما فكرت بالانتحار “كنت سأقتل نفسي”، وحين وصلت إلى هذا المستوى من التفكير قادت سيارتها بسرعة وذهبت للمستشفى، فأخبرها الطبيب النفسي المناوب أنها تعرضت للخداع.
انتهى الأمر بشتاين بخسارة حوالي 70 ألف دولار للمخادع الذي انتحل شخصية المذيع المشهور، ومنذ ذلك الوقت وهي تعاني من ألم الخديعة المريرة التي عاشتها ولا يغادرها السؤال الأشد مرارة: هل كنت حمقاء لهذه الدرجة؟
الخسائر النفسية أشد
ووفق لجنة التجارة الفدرالية، خسر الأميركيون 8.8 مليارات دولار بسبب الاحتيال في عام 2022، ومع ذلك يُعتقد على نطاق واسع أن عمليات الاحتيال التي لا يتم الإبلاغ عنها أكبر بكثير، كما أن معاناة الضحايا تتجاوز بكثير الحسابات المصرفية المستنزفة.
وأفاد ثلثا ضحايا الاحتيال في مسح أجرته هيئة تنظيم الصناعة المالية الأميركية عام 2015 بتعرضهم لعواقب عاطفية ونفسية سلبية نتيجة تعرضهم للاحتيال.
الأثر النفسي للخداع
من الشائع أن يشعر ضحايا الاحتيال بالعجز وتدني احترام الذات، وتعتمد الدرجة التي تتأثر بها صحتهم العقلية عادة على درجة الخسارة التي تعرضوا لها.
ويؤدي فقدان احترام الذات الذي يأتي مع الخجل الداخلي للضحايا إلى عزل أنفسهم واختيار عدم الكشف عن معاناتهم وحجم الخديعة التي تعرضوا لها، وهنا فإن وجود الدعم الاجتماعي مهم جدا في مساعدة البشر على التعافي من الخسائر الفادحة في أرواحهم ومشاعرهم.
ويترافق التعرض للخداع لدى الضحايا مع الشعور بالتحكم، وبالذات بعد خسارة مدخراتهم وكبريائهم واستنزاف مشاعرهم، مما يقودهم إلى الشعور بأنهم خارج نطاق السيطرة على ظروف حياتهم ومستقبلهم.
ماذا تفعل إذا كنت ضحية؟
من المهم أن تتحدث عما حدث لك مع أفراد العائلة والأصدقاء الموثوق بهم، فوجود شخص يعرف ما حدث ويشاركك مشاعرك وأفكارك سيكون مفيدا للغاية على المدى الطويل.
ومن المهم أن تسامح نفسك، فالجميع يرتكبون الأخطاء، وتذكر أن مشاعرك مهما كانت سلبية فهي مشاعر حقيقية، اعترف بمشاعرك وامنح نفسك الغفران.
تعلّم أيضا أن تشجع نفسك وتحفز ذاتك، فمشاعر الألم والمرارة التي تشعر بها لن تساعدك على المضي إلى الأمام في حياتك، ولهذا من المهم أن تتخلص منها شيئا فشيئا وتعود للحياة.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.