الكويت – قدّمت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، نظرة مستقبلية سلبية لرؤية الكويت 2035، التي أطلقتها في 2016، عكس خطط دول الخليج الخمس الباقية، التي صنفتها إما بشكل إيجابي أو إيجابي إلى حد ما، أو حيادي أو سلبي إلى حد ما.
وأشارت الوكالة إلى أن الكويت ستتخلف في إستراتيجيات وخطط التنويع الاقتصادي الخاصة بها، إذ إن البيئة السياسية الصعبة في البلاد أدت إلى تأخير التقدم في خطط التنويع الاقتصادية الخاصة.
وتهدف رؤية الكويت بالدرجة الأولى إلى تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، وتشجع فيه روح المنافسة وترفع كفاءة الإنتاج في ظل جهاز دولة مؤسسي داعم، وتُرسّخ القيم وتحافظ على الهوية الاجتماعية وتحقق التنمية البشرية والتنمية المتوازنة، وتوفر بنية أساسية ملائمة وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة.
ما مدى تأثير البيئة السياسية الصعبة على تنفيذ هذه الرؤية؟
يوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت رياض الفرس، أن الوضع السياسي في الكويت ليس سهلا، لأن الدستور الكويتي أعطى قوة كبيرة لمجلس الأمة فيما يخص إقرار القوانين، و”ما شهدناه في العقود الماضية يشير إلى أن الساحة السياسية ساخنة نتيجة لتجاذبات بين الحكومة وبين مجلس الأمة، الذي يستمد قوته من مواد الدستور في إقرار القوانين والخطط التنموية”.
ويضيف الفرس أنه بسبب وضع المجلس وعدم وجود أحزاب سياسية فالوضع في الكويت صعب، لأن النواب لهم توجهات مختلفة بعكس الدول التي تعتمد نظام القوائم، وهذه التجاذبات وعدم التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية- يتابع الفرس- تركت أثرها السلبي في التأخر بإقرار القوانين الجديدة أو تعديل القوانين القديمة، خاصة قانون خطة التنمية الثالثة التي كان من المفترض بدء العمل به في أول أبريل/نيسان 2020 مع بدء السنة المالية للدولة، لكنها لم تقر حتى تاريخه، وهذا يفسر توقف الكثير من المشاريع والقوانين، وفق قول الفرس.
ما الذي يعيق استقطاب الاستثمار الخارجي في الكويت؟
يشير الفرس إلى أن الكويت -من بين دول الخليج- لم تنظر إلى نظام الاستثمار الخارجي المباشر كشيء أساسي وعنصر مساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية، لأن القناعة كانت بأن الكويت دولة غنية مصدرة لرأس المال ولن تحتاج إلى رؤوس الأموال، وهذا أمر خاطئ لأن جميع دول العالم تحتاج إلى الاستثمار المباشر، وقد استفادت دول الخليج الأخرى من هذا الأمر عكس الكويت.
ولأن التأزيم السياسي قائم، فإن المستثمرين ينظرون إلى هذا الوضع بقلق وهذا يعطي انعكاسا سلبيا، فالكويت من أقل الدول استقطابا للاستثمار، وفق الأكاديمي الفرس.
ويضيف الفرس في حديثه لـ”الجزيرة نت”، أن التجاذب السياسي، جعل النظرة المستقبلية، سلبية لرؤية الكويت 2035 التي وضعت خطوطها الأولى عام 2007، وتأكدت من خلال رؤية “كويت جديدة” عام 2016، لأنه لم يتم تفعيلها حتى الآن رغم مرور وقت كبير، ولا يوجد تنفيذ على أرض الواقع، بسبب وجود استقالات متتالية للحكومات الكويتية وأحيانا عمر الحكومة لم يتجاوز السنة الواحدة، إضافة إلى حل البرلمان أو إبطاله عدة مرات، وهذه كلها أسباب لها تأثير سلبي على استمرارية العمل لتحقيق الرؤية.
ما الحلول؟
يرى الفرس أن مشكلة الكويت ليست اقتصادية أو مالية، إنما هي سياسية وتحتاج إلى إصلاح سياسي أولا، ويضيف أن أي إصلاح يجب أن يبدأ من هنا، مثل وجوب وجود اتفاق أو مؤتمر وطني يجمع الحكومة ومجلس الأمة والمجتمع المدني والقطاع الخاص للاتفاق على تحديد الأولويات المستقبلية للكويت، “فمهما استقدمنا من خبراء اقتصاديين لوضع البرامج لن نرى النجاح المأمول طالما كانت البيئة السياسية معقدة وطاردة للمستثمرين”.
ويعتقد الفرس أنه يمكن التوجه إلى الإصلاح الاقتصادي والمالي في الدولة، والبحث في الميزانية مع محاولة التغلب على الاختلالات الهيكلية في الجانبين.
ففي جانب الإيرادات- يضيف المتحدث ذاته- هناك اختلال كبير من خلال اعتماد الميزانية العامة للدولة على الإيرادات النفطية بنسبة تصل إلى 90% أحيانا، كذلك بالنسبة للمصروفات، حيث إن أكثر من 90% من إنفاق الحكومة إنفاق جارٍ خاصة على كتلة الرواتب والدعم المقدمة.
ويرى الفرس أنه لا يمكن تحقيق أي استدامة مالية بدون وجود خطط واضحة تركز على التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.
شح الاستثمارات الأجنبية
يرى الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية محمد البغلي، أن البيئة السياسية في الكويت يمكن أن تؤثر على الخطط الاقتصادية نتيجة وليست سببا، مشيرا إلى أن الكويت لا يمكن أن تنجح فيها رؤية أو أهداف اقتصادية في ظل حكومة تتشكل وفق معايير المحاصصة ودون برنامج واضح وفي ظل برلمان محفز للعمل الفردي، وهذا المسبب الأول للبيئة السياسية الصعبة التي تعيق أي تطور اقتصادي، وفق تعبيره البنغلي الذي يرى أن الكويت تعاني أصلا من شح الاستثمارات الأجنبية.
ويعتقد البغلي أن رؤية “كويت 2035” بحاجة إلى مراجعة في الأهداف وآلية التنفيذ، فهذه الرؤية هي امتداد لخطط ومشاريع لم يكتب لها النجاح باختلاف الأسماء، كمشروع تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، وتقرير توني بلير، ودراسة اللجنة الاستشارية الاقتصادية، وتقرير ماكنزي، وخطط التنمية الأولى والثانية والثالثة، وكلها حظيت بموافقات حكومية خلال نحو 19 عاما، إلا أنها لم تكن أكثر من طريقة لبيع وهم التنمية والتطور وشراء الوقت لأهداف في أغلبها بعيدة عن الحسابات الاقتصادية، وفق وصف البغلي.
ويضيف محمد البغلي، أن الكويت بحاجة ملحة إلى مشروع دولة تتحسن فيه طرق الإدارة، لا سيما من خلال إصلاح السلطة التنفيذية للعمل بجدية لتنويع مصادر الدخل وضبط الإنفاق وإصلاح التعليم بالتوازي مع إصلاح سوق العمل، فضلا عن معالجة أوضاع التركيبة السكانية، ناهيك عن دعم القطاع الخاص المبادر وتبسيط بيئة الأعمال ومكافحة الاحتكار.
تعقيدات المشهد السياسي
أما المحلل الاقتصادي والمالي ميثم الشخص، فيشير في حديثه لـ “الجزيرة نت” إلى ضرورة وجود بيئة سياسية محفزة حتى تنجح الدولة في رسم السياسات العامة والتخطيط، ومنها الخطط الاقتصادية التي هي أساس الدولة التي يبنى عليها المستقبل ورفع مستوى رفاهية مواطنيها مع الأخذ بعين الحسبان أمور الحياة اليومية بما في ذلك متطلبات إدارة الدولة التي تعتمد على الاقتصاد بشكل رئيسي حتى تنجح بأن تكون دولة رائدة.
ويرى أن الكويت مرت بظروف أثرت على مسيرتها الاقتصادية منذ تحريرها من الغزو العراقي، فكانت السياسة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا ما بين شد وجذب بين الأقطاب السياسية الرئيسية في البلاد وهذا أدى إلى أن تكون هناك خطط تسير بوتيرة بطيئة عن الدول الأخرى؛ لأن الكويت تختلف عن دول الخليج، حيث فيها سلطة تشريعية تتمثل بمجلس الأمة لا بد أن تقر القوانين والخطط، عكس الدول الأخرى التي لا توجد فيها تعقيدات هذا المشهد السياسي.
ويضيف ميثم الشخص، أنه عندما تكون هناك بيئة تشريعية طاردة فلا بد أن يكون الاستثمار فيها صعبا جدا رغم وجود الفرص وكثير من المشاريع الواعدة، ويعتقد أن التعاون الحكومي البرلماني أساس العمل الاقتصادي المستقر وهذا ما يؤدي إلى نهوض الدولة اقتصاديا وانعكاس ذلك على بقية المرافق.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.