واشنطن- قبل أيام من وصول الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور واشنطن للقاء نظيره الأميركي جو بايدن، تعرضت سفينتين تابعتين لخفر السواحل الفلبيني لمضايقات من سفن البحرية الصينية، حين اقتربت بصورة خطيرة منها في بحر جنوب الصين.
وأصبح من المعتاد أن تشتكي الفلبين من مضايقات القوات البحرية الصينية لسفن الصيد والدوريات البحرية، وذلك في مناطقها الحدودية البحرية التي لا تكترث الصين بها، طبقا للرواية الفلبينية.
ودعمت المخاوف الفلبينية من الأطماع الصينية تقرب مانيلا العسكري والسريع تجاه واشنطن خلال السنوات الماضية، على الرغم مما يجمع الدولتين من تاريخ معقد تضمن فصولا قاسية من الاحتلال الأميركي المباشر.
إرث طويل ودعم الرئيس الابن
احتلت الولايات المتحدة الفلبين لما يقرب من نصف القرن (1898 – 1946)، وخلال هذه الفترة أصبح لواشنطن نفوذ واسع داخل الفلبين. من ناحية أخرى انتقل للعيش بالولايات المتحدة ملايين الفلبينيين الذين أصبحوا من أهم الجاليات الآسيوية وأكثرها نجاحا واندماجا في الحياة العامة الأميركية.
وتوطدت علاقات الدولتين عسكريا إثر توقيعهما معاهدة للدفاع المشترك عام 1951، كما تم السماح للقوات الأميركية باستخدام قواعد عسكرية فلبينية.
وفي عام 1986، أُجبرت عائلته الرئيس الفلبيني آنذاك فرديناند ماركوس (الأب) على الفرار على متن طائرات هليكوبتر أميركية، بسبب ثورة شعبية أطاحت بالرئيس الذي وصف بالدكتاتور. ووصلت عائلة الرئيس إلى المنفى بجزيرة هاواي بحقائب وصناديق محشوة بالنقود والذهب والمجوهرات، وتوفي الرئيس ماركوس بعد 3 سنوات.
وبعد سنتين من الوفاة عادت الأسرة إلى الفلبين عام 1991 وشرعت في إعادة بناء صورة العائلة، ونجحت بشكل مذهل توج بانتخاب فرديناند ماركوس جونيور (الابن) كرئيس جديد للفلبين في يونيو/حزيران الماضي.
أزمة جزر بحر جنوب الصين
بعد سنوات حاوت فيها الفلبين المناورة بين واشنطن وبكين لتحقيق مصالحها الإستراتيجية خلال حكم الرئيس الفلبيني السابق، رودريغو دوتيرتي، اتخذت مانيلا موقفا داعما الولايات المتحدة، خاصة بعدما ظهرت النوايا التوسعية للصين في مياه بحر جنوب الصين، بما فيها تلك التي تعتبرها الفلبين مناطق بحرية خاصة بها.
وتعمل الصين على توسيع وجودها ونفوذها في كل مناطق بحر جنوب الصين، بما في ذلك المياه المقابلة والقريبة من الأراضي الفلبينية. وفي سبيل ذلك أقامت بكين قواعد عسكرية على مناطق غنية بالشعاب المرجانية متنازع عليها مع الفلبين.
وترى الفلبين أن الصين تريد الهيمنة على كل مياه بحر جنوب الصين دون منح أي حقوق للدول الأخرى المطلة عليه. وحكمت محكمة العدل الدولية لصالح الفلبين عام 2016، ورفضت الصين الحكم الذي يؤكد حق الفلبين في هذه المناطق.
وبسبب عدم حسم الخلاف بين الدولتين، تتعرض سفن الصيد وسفن خفر السواحل الفلبيني لمضايقات مستمرة من السفن العسكرية الصينية المنتشرة في المنطقة.
علاقات عسكرية وسياسية
في مقابل توتر العلاقة مع الصين، عادت علاقات الفلبين مع الولايات المتحدة لدفئها وإستراتيجيتها تحت قيادة الرئيس ماركوس جونيور، الذي أنهى للتو زيارة تاريخية للعاصمة واشنطن.
وسعى الرئيس ماركوس إلى الحصول على تأكيدات بأن الولايات المتحدة تسانده في أي مواجهة مفتوحة مع الصين. وبالفعل أعلن البيت الأبيض أن التزام أميركا بالدفاع عن الفلبين هو “التزام صارم”.
وفي 11 أبريل/نيسان الماضي، شارك وزيرا الخارجية والدفاع أنتوني بلينكن ولويد أوستن مع نظيريهما من الفلبين إنريكي مانالو وكارليتو غالفيز، في مباحثات الحوار الإستراتيجي الثالث بين الدولتين. وفي نفس اليوم شارك أكثر من 17 ألف جندي أميركي وفلبيني في مناورات عسكرية في الأراضي والمياه الفلبينية استمرت 3 أسابيع.
وتعهد الطرفان بتدعيم اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز (EDCA)، وهي اتفاقية وقعت عام 2014 تسمح للولايات المتحدة بتمويل وتحسين البنية التحتية العسكرية، وتخزين أسلحة ومعدات في القواعد العسكرية الفلبينية. وكرر الوزيران بلينكن وأوستن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن القوات الفلبينية ضد أي هجوم في بحر جنوب الصين.
وأكد أوستن أن معاهدة الدفاع المشترك تنطبق على أي “هجوم مسلح على أي من قوات بلدينا المسلحة أو طائراتنا أو سفننا -بما في ذلك خفر السواحل- في أي مكان في بحر جنوب الصين”.
وتضمن الحوار الإستراتيجي وضع خارطة طريق جديدة لمساعدات عسكرية وأمنية ضخمة من الولايات المتحدة، لمساعدة عملية تحديث الجيش الفلبيني تتضمن الحصول على “رادارات وأنظمة جوية دون طيار وطائرات نقل عسكرية وأنظمة دفاع ساحلي وجوي” على مدى السنوات 5 إلى 10 المقبلة.
وكشفت الحكومة الفلبينية عن مواقع 4 قواعد عسكرية إضافية سيتم تضمينها في هذا الاتفاق. اثنتان منها في مقاطعة كاجايان، التي تبعد 160 ميلا فقط من جزيرة تايوان.
السر في تايوان
لم يذكر الرئيس ماركوس جونيور صراحة خلال زيارته لواشنطن أن بلاده ستساعد الولايات المتحدة في أي حالة أزمة مسلحة تتعلق بتايوان، ومع ذلك لم تتوقف التكهنات حول دور الفلبين في أي أزمة مستقبلية ترتبط بتايوان وذلك بالنظر إلى حالة التوترات الفلبينية الصينية كذلك.
وناقش بايدن وماركوس كيف يمكن أن تؤثر أزمة تايوان على مصالحهما الوطنية وعلى التحالف بينهما.
ويرى غريغوري بولينغ، الخبير في شؤون جنوب شرق آسيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، أن هناك مصلحة ومخاوف تجمع واشنطن ومانيلا فيما يتعلق بالسلوك الصيني وتهديدات بكين لتايوان.
وعلى الرغم من تأسيس واشنطن لتحالف “إيكواس” (ECOWAS) الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، وتجمع “كواد” (Quad) الإستراتيجي الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا، إضافة لتحالفها المتين مع اليابان وكوريا الجنوبية، فلا توفر أي دولة أخرى ما يمكن للفلبين توفيره حال اندلاع صراع عسكري أميركي صيني بسبب تايوان.
وتحل القواعد العسكرية الفلبينية مشكلة واشنطن الكبرى المتمثلة في البُعد الجغرافي عن تايوان. وتسمح القواعد الفلبينية الشمالية بتسهيل الانتشار السريع للقوات الأميركية في حالة حدوث أزمة غزو الصين لتايوان.
وبموجب الاتفاقات الجديدة، سمحت الفلبين لعدد كبير من القوات الأميركية بالبقاء داخل معسكرات القوات المسلحة الفلبينية، حيث بدأت من جانبها بناء مستودعات وأماكن معيشة ومرافق مشتركة ومعدات قتالية مخزنة باستثناء الأسلحة النووية، التي يحظرها الدستور الفلبيني.
وهكذا تضمن واشنطن وجودا عسكريا على طول سلسلة الجزر الممتدة من اليابان إلى الفلبين انتظارا لمواجهة لا يريدها أحد مع بكين.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.