منذ عشرات السنين يجذب مهرجان كان السينمائي الدولي الآلاف من صناع السينما من جميع أنحاء العالم للاحتفال بالسينما الجديدة، حيث يضيء المهرجان منطقة الريفيرا جنوب فرنسا لمدة 12 يوما من شهر مايو/أيار من كل سنة.
ويعتبر “كان” أحد المهرجانات السينمائية الثلاثة الأكثر أهمية في عالم السينما، إلى جانب فينيسيا وبرلين، ويحمل المهرجان الفرنسي قصة وتاريخا طويلا.
ما علاقة هتلر بمهرجان كان؟
لولا الزعيم النازي أدولف هتلر والحرب العالمية الثانية لكنا سنحتفل هذا العام بالدورة الـ82 للمهرجان. والغريب في الأمر أنه لولا هتلر أيضا، ربما لم يوجد مهرجان كان على الإطلاق. فقد كان تصور مهرجان “كان” في البداية بمثابة مواجهة لمهرجان البندقية السينمائي، الذي وقع تحت تأثير بينيتو موسوليني وهتلر.
فقد شهدت فينيسيا (البندقية) في عام 1932، افتتاح أول مهرجان سينمائي دولي في العالم. وعلى مدى السنوات القليلة التالية، زادت شهرة المهرجان واستقطب مشاركات من أكثر من 20 دولة.
وتزامن ذلك مع سيطرة هتلر وموسوليني على المهرجان. ووضع هتلر يده على جائزة الجماهير ومنحها لفيلم “أولمبيا” لمخرجته المفضلة ليني ريفنشتال، كما منحت كأس موسوليني إلى فيلم إيطالي.
وبحلول عام 1938، أصبح مهرجان فينيسيا السينمائي وسيلة للدعاية الفاشية والنازية، وتحكم هتلر وموسوليني في خيارات الأفلام والجوائز، وكان الوضع قد أصبح مسيئا بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وكانت تلك الدول تتجه بالفعل إلى صدام مع القوتين الفاشيتين.
قررت الدول الثلاث، بدعم من دول أخرى، مقاطعة مهرجان فينيسيا السينمائي. وذهبت فرنسا إلى أبعد من ذلك وقررت إقامة “مهرجان عادل” يمكن أن ينافس ويتفوق على مهرجان فينيسيا، وتقرر إطلاق مهرجان “كان” في عام 1939.
مولد مهرجان كان
في سبتمبر/أيلول عام 1939 كانت مدينة “كان” تستعد لاستضافة أول مهرجان سينمائي لها. تم تصميم النشرات وإرسال الدعوات، وكانت الفنادق تستعد للتعامل مع الحشود، وتم استئجار سفينة رحلات لجلب المشاهير من هوليود.
لكن غيوم الحرب ظلت تحوم في أفق أوروبا، وفرّ السياح إلى ديارهم، ورغم ذلك افتتح المهرجان وبعد عرض فيلم واحد فقط (أحدب نوتردام – The Hunchback of Notre-Dame)، غزا هتلر بولندا واندلعت الحرب العالمية الثانية. وعادت جميع الأفلام الأخرى إلى موطنها دون عرض بعد إعلان الحكومة الفرنسية التعبئة العامة وإلغاء المهرجان.
استمرت الحرب العالمية الثانية حتى 1945، وبعدها بعام وافقت الحكومة الفرنسية على إحياء مهرجان كان كوسيلة لجذب السياح للعودة إلى الريفيرا، وهو ما تحقق بداية من سبتمبر/أيلول 1946 بحضور 21 دولة.
تضمن جدول المهرجان مجموعة أفلام من بينها فيلم المخرج الأميركي النمساوي بيلي ويلدر “نهاية الأسبوع المفقودة” (The Lost Weekend)، وفيلم المخرج الفرنسي رينيه كليمان “معركة القضبان” (The Battle of the Rails)، وفيلم “مقابلة وجيزة” (Brief Encounter) للمخرج البريطاني ديفيد لين، وتم تكريم 11 فيلما بالجائزة الأولى، تصدرها فيلم “مقابلة وجيزة”.
المولد الثاني لمهرجان كان
واجه المهرجان منافسة شديدة من مهرجات أخرى، وتعثرت مسيرته وألغيت نسخ 1948 و1950 بسبب نقص الأموال، قبل أن يتم تغيير موعد الحدث السنوي إلى شهر مايو/أيار بداية من عام 1952 مع تخصيص قصر المهرجانات كمقر دائم له.
وفي عام 1955، قدمت جائزة السعفة الذهبية لأول مرة، وكانت من نصيب فيلم “مارتي” (Marty) للمخرج ديلبرت مان، لينتقل المهرجان إلى مرحلة جديدة بعد أن كانت النسخ السابقة أشبه بأحداث مجتمعية، حصل خلالها كل فيلم تم عرضه على جائزة.
مع الوقت واستقرار المهرجان تزايدت شعبيته مع حضور مشاهير مثل كيرك دوغلاس وصوفيا لورين وغريس كيلي وبريجيت باردو وكاري غرانت ورومي شنايدر وآلان ديلون وسيمون سينيوريت وجينا لولوبريجيدا وبابلو بيكاسو.
العثرة الأخيرة
في عام 2020، أدت جائحة كورونا إلى إلغاء الحدث، ورغم ذلك واصل المهرجان عمله في صناعة السينما من خلال اختيار ودعم 56 فيلما روائيا و28 فيلما قصيرا. وتم تنظيم المهرجان في العام التالي بشكل افتراضي سمح لمحترفي الأفلام من جميع أنحاء العالم بالمشاركة.
وكانت تلك آخر عثرات المهرجان الذي افتتحت دورته الـ76 اليوم الثلاثاء بالفيلم الفرنسي “جان دو باري” (Jeanne du Barry)، ليكمل المهرجان مسيرته الطويلة بحثا عن نجاح أكبر كل عام.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.