الخرطوم- لخمسة أيام، ظل المحامي خالد محمد سالم يبحث عن أدوية ضغط الدم والسكري لوالدته المسنّة، ولم يفلح في العثور عليها في ظل تعطّل الصيدليات في الخرطوم بسبب استمرار المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وأدى القتال في العاصمة الخرطوم ونواحيها إلى زيادة معاناة المرضى وذويهم من شُحّ الأدوية، إذ توقفت الشركات عن توزيعها ودُمرت مصانعها المحلية وأوصدت غالبية الصيدليات أبوابها ونُهبت أخرى.
يقول سالم للجزيرة نت إن الحصول على أدوية الأمراض المزمنة صار مهمة “متعبة جدا”، بسبب تعطّل الصيدليات عن العمل، مما دفعه مع مجموعة من جيرانه في الحي للتواصل مع عدد من الصيادلة الذين طرحوا مبادرة للحصول على الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشر عدد من الصيادلة عبر هذه المنصات قائمة بأصناف الأدوية التي تتوفر لديهم، مع أرقام هواتفهم للتواصل معهم، واستعانوا بمتطوعين لديهم دراجات بخارية لتوصيل الأدوية للمرضى في مواقعهم، رغم المخاطر على حياتهم.
ويقول سالم إن هذه المبادرة خففت كثيرا من معاناة مرضى الأمراض المزمنة، خاصة أن أصحاب المبادرة يبيعون الأدوية بأسعارها الحقيقية. وانتقد بعض “الجشعين” الذين استغلوا الأزمة وضاعفوا الأسعار في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية قاسية.
ويقول عضو مبادرة توصيل الأدوية أسامة عبد الرحمن إن هواتفهم لا تتوقف طوال اليوم عن استقبال اتصالات المرضى الباحثين عن الأدوية، واشتكى من ندرة بعض الأصناف التي لا تتوفر إلا في صندوق الإمدادات الطبية، وهي المصنفة ضمن الأدوية المنقذة للحياة، وكذلك المحاليل الوريدية وأمراض السرطان وغيرها.
ولفت إلى روح التكافل لدى المجتمع، حيث بادر بعض المواطنين بالتبرع بالأدوية التي تتوفر لديهم لمن يحتاجها، ونشر المعلومات عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكنه تحدث عن تلقيهم اتصالات من مرضى لا يملكون تكلفة الدواء بسبب توقف عمل المصارف، وعدم توفر السيولة النقدية، أو أن أسعار الدواء صارت فوق قدرتهم.
في السوق السوداء
وفي الأيام الأخيرة، أطلق مصنعو الأدوية والصيادلة تحذيرا من أوضاع كارثية، نتيجة توقف غالبية المصانع وتدميرها وتلف بعض أصناف الأدوية في مستودعاتها لانقطاع التيار الكهربائي منذ أسابيع ونهب عدة مخازن، مما أدى إلى ندرة في الأدوية المنقذة للحياة، وارتفاع جنونيّ في أسعار المتوفر منها لدخولها “السوق السوداء”.
وزاد الأمر تعقيدا سيطرة قوات الدعم السريع على صندوق الإمدادات الطبية الحكومي في جنوب الخرطوم، وفيه مستودعات ضخمة توفر الأدوية المنقذة للحياة للمستشفيات والصيدليات في العاصمة، وله أذرع في 18 ولاية؛ وتوقف صيدلياته المنتشرة عن العمل.
ووصف اتحاد الصيادلة الوضع الصحي في الخرطوم بالأسوأ مقارنة ببقية الولايات، مؤكدا وجود بعض المخزونات من الأدوية غير أن معظم الصيدليات والمخازن اضطرت للإغلاق بسبب القتال.
الحلّ ممكن
ويوضّح رئيس اتحاد الصيادلة السودانيين السابق صلاح سوار الذهب، أن البلاد كان فيها مخزون جيد من الأدوية قبل المواجهات العسكرية، لكن غالبية مخازن الأدوية ومصانعها توجد في الخرطوم التي شهدت مناطقها اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، وتعرضت للنهب، وحتى الأدوية التي نجت من الحرق ظلت حبيسة ولا يمكن نقلها في الظروف الحالية.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول سوار الذهب إن الأدوية تحتاج إلى تخزين وتبريد خاص، وهو غير متوفر في ظل أوضاع الحرب، مما يتسبب في ندرة أصناف مهمة مثل الأمصال والإنسولين الذي يستخدمه مرضى السكري.
ويضيف أن الأدوية الموجودة في صندوق الإمدادات الطبية الذي يوفرها للمستشفيات، وحتى التي كانت في الصيدليات، تأثرت بانقطاع الكهرباء مما يتطلب استيرادها سريعا لتغطية العجز، لافتا إلى أن هناك مخازن في بعض الولايات يمكن أن تمدّ العاصمة الأكثر تأثرا لفترة محدودة.
وكشف أن صندوق الإمدادات الطبية وبعض الشركات حاولت توزيع أدوية إلى الولايات، لكن قوات الدعم السريع حجزتها، وحذّر من أن المصانع المحلية لن تستأنف عملها قريبا بسبب ما أصابها من تخريب وتدمير. كما أن شركات الأدوية باتت عاجزة عن نقل أدويتها من مخازنها، وهو ما يهدد بأزمة حادة في الدواء في حال لم يتم استيراده بترتيبات سرعة.
ويقول سوار الذهب إن المستلزمات والمستهلكات التي تستخدم في العمليات تأثرت كثيرا لاستعمالها بكميات كبيرة خلال فترة الاشتباكات العسكرية التي أدت لإصابة آلاف المدنيين، ويحتاج استيرادها إلى ما بين 3 و4 أشهر. داعيا إلى تبسيط إجراءاتها عبر ميناء بورتسودان لأن ندرة هذه المستلزمات تؤدي إلى مخاطر كبيرة على حياة المرضى والمصابين، واقترح ممرات آمنة لنقل الأدوية من الموانئ والمطارات إلى العاصمة والولايات.
ويشير سوار الذهب إلى تعقيدات يمكنها أن تعطل إجراءات استيراد الأدوية من الخارج، ومنها توقف المصارف عن العمل، كما أن استمرار الحرب سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية وتوفر العملات الحرة مما يبطئ إجراءات الاستيراد.
مخزون “مطمئن”
ومقابل تحذيرات قطاع الدواء والصيادلة، يقول مسؤولون في وزارة الصحة السودانية إن مخزون الأدوية حتى الآن مطمئن، رغم أنه من أصل 3400 صيدلية في العاصمة الخرطوم تعمل أقل من 10%، وهذه لا يستطيع كثيرون الوصول إليها بسبب الأوضاع الأمنية.
وفي حديث مع الجزيرة نت، حمّل المسؤولون الحكوميون قوات الدعم السريع مسؤولية شُحّ الأدوية بنهب بعض الصيدليات، مما قلص عدد العاملة منها، وكذلك تعطيل عمل صندوق الإمدادات الطبية الذي يوفر الأدوية المنقذة للحياة، واحتجاز أدوية كانت في طريقها للولايات.
وحددت وزارة الصحة الأصناف الشحيحة بغرض توفيرها من الدول والمنظمات التي أعلنت استعدادها لتقديم مساعدات إنسانية. ووصلت بعض الشحنات جوا إلى مطار بورتسودان، وسيتم نقلها إلى الخرطوم في أسرع وقت بحسب المسؤولين الحكوميين.
بدورها، قدّرت منظمات سودانية أن 5 آلاف مريض بالكلى غادروا الخرطوم إلى ولايات مجاورة تتوفر فيها مراكز الغسيل، لصعوبة عملها في مدن العاصمة الثلاث.
وكانت أُسر مرضى الكلى أطلقت نداءً حذّرت فيه من تعرّض حياتهم لخطر الموت، لتوقف عمل غالبية مراكز غسيل الكلى في الخرطوم، وتحدثت عن مخاطر الوصول إلى العامل منها.
وردت وزارة الصحة بأن باخرة وصلت إلى ميناء بورتسودان تحمل 130 ألف “غسلة” لمرضى الكلى تكفي لشهرين، كما تبرعت شركة أردنية بكمية تكفي شهرا، إلى جانب مبادرة من أطباء سودانيين في دول المهجر.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.