“لقد نشأت في عائلة من الأطباء والعلماء… كانت أختي دائما حسنة التصرف في المنزل والمدرسة وكان الجميع يقارنونني بها، مما جعلني أشعر أنني لست جيدة بما يكفي. لم أحقق نجاحا أكاديميا مثل أختي، وعملت بإحدى الهيئات الحكومية، أما أختي فقد أصبحت طبيبة، يفتخر بها والدانا وبإنجازاتها دائما. شعرت وكأنني شخص فاشل”. (1)
سيدة تُدعى روزي تحكي قصتها مع تدني احترام الذات عبر موقع “Psychology Tools”
حاوِل أن تتذكر آخر مرة فشلت فيها أو ارتكبت خطأ مهما، هل تشعر بأنك ما زلت تستحي من الأمر وتوبخ نفسك، بشكل مُبالغ فيه، لأنك كنت غبيا جدا أو أنانيا أو تصرفت بحماقة؟ هل يُشعرك هذا بأنك شخص سيئ؟ أو لعلك تشعر أحيانا كما لو كنت الشخص الوحيد الذي يُخطئ في العالم؟
بالنسبة للكثير من الناس، فإن ردود الفعل الأكثر قسوة مع أنفسهم هي الردود الأكثر طبيعية وتلقائية، بل إن البعض قد يفخر بكونه قاسيا على نفسه. لكن العديد من الأبحاث أظهرت أن النقد الذاتي المُبالغ فيه غالبا ما يأتي بنتائج عكسية، فبخلاف كونه يزيد من مستويات الشعور بالتعاسة والتوتر لدينا، فهو يجعلنا أيضا أقل قدرة على تحقيق أهدافنا في المستقبل. (2)
رُبما يكون من الشائع أن تسيطر علينا فكرة “الشعور بالسوء” أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة، عند البحث عن هدف حياتنا الأكبر ومحاولة التعرّف على طموحاتنا وما نرغب في تحقيقه. يمكن أن تسيطر هذه الفكرة لاحقا في الحياة أيضا، عندما نقوم مثلا بتغيير مسارنا المهني، أو عندما نشعر أننا لا نعيش الحياة التي كنا نتمناها أو أننا لا نُحقق العديد من الإنجازات مثل الآخرين من حولنا. لكن أن يُصبح هذا النوع من التفكير “عادة” متكررة ودائمة، فهذا يشير إلى احتمالية معاناة صاحبه من “تدني احترام الذات” أو “الشك الذاتي”. (3)
يُشير تقدير الذات واحترامها إلى إحساس الشخص بقيمته وذاته، فيمكن اعتبار أن احترام الذات هو ببساطة رأي الشخص في نفسه. عندما يكون لدى الشخص احترام صحي لذاته، فإنه يميل إلى التفكير بإيجابية في نفسه، ويفكر بتفاؤل في الحياة عموما. يعرف الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير صحي للذات أنهم قيّمون، وسيكونون قادرين على وصف وتسمية بعض صفاتهم الإيجابية، مثل “أنا صديق جيد” أو “أنا شخص لطيف” أو “أنا صادق” أو “أنا أب صالح”، وهو الأمر الذي رُبما لا يستطيع الأشخاص الذين يُعانون من تدني احترام الذات القيام به.
حلقات مُفرغة!
هل يُعَدُّ تدني احترام الذات إذن اضطرابا نفسيا؟ حاولت دراسة أُجريت عام 2003 استكشاف العلاقة بين تدني احترام الذات والمرض النفسي، أُجريت الدراسة على عينة من 1190 فردا يحضرون إلى عيادة خارجية نفسية، منهم 957 مريضا نفسيا، و182 حالة تعاني من مشكلات لا تُعزى إلى اضطراب عقلي، و51 حالة لأشخاص طبيعيين لا يعانون من أي اضطراب. أكمل الأفراد استبانتين لقياس احترام الذات، هما مقياس روزنبرغ لتقييم تقدير الذات، ومقياس جانيس لتقييم مشاعر عدم الكفاءة. (4)
أظهرت نتائج الدراسة أن جميع المرضى النفسيين يعانون من درجة ما من تدني احترام الذات. علاوة على ذلك، اختلفت درجة انخفاض احترام الذات بين مجموعات التشخيص المختلفة، فكان تقدير الذات أقل في المرضى الذين يعانون من اضطراب الاكتئاب الشديد واضطرابات الأكل وتعاطي المخدرات. اقترحت الدراسة وجود حلقة مفرغة بين تدني احترام الذات وظهور الاضطرابات النفسية، فتدني احترام الذات يزيد من قابلية الإصابة بالاضطرابات النفسية، ووجود اضطراب نفسي بدوره يقلل من احترام الذات. (4)
يؤثر تدني احترام الذات على كفاءة العلاقات أيضا. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يمكن لموقف عارض أو كلمة عابرة أن تستغرق انتباههم بشكل كامل، أقل إشارة أو خلاف أو كلمة عابرة قد تُسبب الكثير من الانزعاج للشخص الذي يُعاني من تدني احترام الذات، لدرجة أنه قد يتصرف بحدّة بالغة. هذا الأمر يجعل شركاءهم وأزواجهم في تحدٍّ حقيقي، لأنهم أيضا بشر ولا يستطيعون أن يصبحوا داعمين وودودين ومُحبين بالكامل طوال الوقت. (5)
على الجانب المقابل تماما، ربما يعمد الشخص الذي يُعاني من تدني احترام الذات نفسه إلى المبالغة في إرضاء الآخرين، أو الذهاب “إلى أبعد الحدود” في التضحية وبذل جهد مُبالغ فيه في العمل أو مع الأصدقاء والعائلة. تنبع هذه التصرفات غالبا من الشعور المتزايد بعدم الاستحقاق أكثر من كونها تعبيرا عن الحب أو التفاني، هذا يعني أنها تنعكس على صاحبها سلبا على المدى الطويل.
كيفية نتعامل مع الأمر؟
هنا قد يكون من المهم معرفة أن تصور الشخص عن نفسه وقدراته ليس ثابتا. يمكن أن يكون لدى كل منّا فترات تكون فيها صورته عن نفسه سلبية، وفترات أخرى قد تصبح خلالها صورتنا الذاتية إيجابية. بمعنى آخر، احترام الذات هو أمر يمكن تحسينه في نهاية المطاف. (6)
هناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها لكسر حلقة التفكير السلبي، والتخلص من فكرة أنك شخص “بالغ السوء”. النصيحة الأولى هنا هي أن تحصل على فترة استراحة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، صحيح أن معظم الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي اليوم طريقةً للتواصل مع الآخرين والبقاء على اطلاع على الأخبار والمستجدات، لكن الاستخدام المكثف قد يكون له جانب مظلم، وهو أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤثر سلبا على مشاعر تقدير الذات.
غالبا ما يشارك الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي صورا إيجابية و”منظمة” عن حياتهم، تكون مختلفة عن حياتهم الفعلية التي يحيونها. إذا كنت تقف على الطرف الآخر وتشاهد فقط ما يُشاركه الآخرون فربما يبدو لك أن الجميع سعيد بحياته، مُحققا للنجاحات ومتمتعا بالمواهب ويعيش حياة فائقة الإمكانيات، بينما ترى أنك لا تتمكن من الحصول على أيٍّ من هذه الأشياء، مما قد يُقلل من تقديرك لذاتك.
أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي سيمنحك الفرصة للتوقف عن المشاركة في لعبة المقارنات مع الآخرين التي تُغذيها هذه الوسائل، كما ستُتيح لك أيضا التركيز على تحسين صورتك الذاتية ودعم صحتك العقلية ورفاهيتك.
يجب على الشخص الذي يُعاني في تقدير ذاته أيضا أن يتعلم كيفية “قبول المجاملات”. الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات لا يجيدون قبول الإطراء، هم يعتقدون بالكامل أنهم ليسوا جيدين في أي شيء. لذا، فهم غالبا لن يصدقوا الآخرين عندما يشيرون إلى الأشياء التي يجيدونها بالفعل. إذا حاولت بجدية قبول الإطراءات، فقد يساعدك هذا على تغيير تفكيرك حول الطريقة التي ينظر بها الآخرون إليك، وقد يساعدك هذا أيضا على إعادة تشكيل كيفية إدراكك لذاتك، والنظر إليها بإيجابية أكثر. (4)
من الأساليب البسيطة الأخرى التي قد تساعدك على تعزيز احترامك لذاتك التعرف على ما تجيده حقا، وما أنت مميز به، هنا يجب معرفة أننا جميعا جيدون في شيء ما، سواء كان ذلك الشيء هو الطهي أو الغناء أو الرسم أو الكتابة أو الرياضة أو الصداقة أو الاهتمام بالعائلة، وغيرها الكثير من الأشياء التي قد تكون هي نقطة تفردك. لاكتشاف الأمر المميز داخلك، عليك أن تسأل نفسك عن الشيء الذي تشعر أنك تستمتع بالقيام به، فعادة ما نستمتع بالأشياء التي نجيدها.
يجب أيضا النظر بتمعن في علاقاتك، إذا وجدت أن بعض الأشخاص حولك يميلون إلى إحباطك وتعزيز صورتك السلبية عن ذاتك، فسيكون عليك قضاء وقت أقل معهم، أو يمكنك أن تخبرهم بما تشعر به حيال كلماتهم أو أفعالهم ليتوقفوا عمّا يفعلونه. من ناحية أخرى، حاوِل بناء علاقات مع أشخاص إيجابيين يقدّرونك ويرون جانبك الإيجابي.
سيكون عليك أيضا أن تبدأ بتعلم كيفية قول “لا”، غالبا ما يشعر الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات أنه يتعين عليهم قول “نعم” للآخرين دائما وأبدا، وقد تدفعهم الرغبة في موافقة الآخرين دائما إلى القيام بأشياء لا يريدون القيام بها. الخطر هنا هو أنك ستصبح، مع تكرار هذا الأمر، مثقلا بالاستياء والغضب والاكتئاب. هنا يجب معرفة أن قول “لا” لن يدمر علاقاتك، بل سيجعلها أكثر صحية، وسيحفظ لك حدودك ويُعزز احترامك لذاتك. (6)
إذا وجدت أنك فعلت كل ما سبق وما زلت تُعاني من صعوبة في تقدير ذاتك، فهنا يجب التفكير في زيارة أخصائي الصحة العقلية. الاستعانة بمتخصص تكون مهمة خاصة إذا كنت تتبع سلوكيات تؤذي بها نفسك أو مَن حولك. يجب أيضا الحصول على دعم متخصص إذا كانت علاقاتك الحالية تجعلك تشعر بالسوء البالغ تجاه نفسك.
____________________________________
المصادر:
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.