في أغسطس/آب 2018، قال رئيس قسم بناء السفن في البحرية الروسية، الأدميرال فلاديمير تريابيتشنيكوف، في تصريحات متلفزة إن البحرية الروسية بدأت(1) بالفعل البحث عن تصميمات لمحركات تخص حاملة طائرات عملاقة تعمل بالطاقة النووية، وفي العام التالي أشارت بعض المصادر إلى أن وزارة الدفاع الروسية بدأت العمل على تشكيل مهمة تكتيكية تقنية خاصة بـ”حاملة طائرات روسية واعدة”، ستكون لا شك نووية(2).
الأقوى في التاريخ
منذ ذلك الحين لم تكن هناك الكثير من الأخبار حول الحاملة، لكننا نعرف أنها إلى الآن لم تتخطَّ بعدُ مرحلة التصميم، لكن المعالم الأولى المعلنة عن حاملة الطائرات هذه كانت مثيرة جدا للاهتمام، ببساطة لأننا أمام قطعة تقنية ربما تناهز فور صدورها أباطرة عالم البحار والمحيطات الواسعة مثل حاملتَي يو إس إس نيميتز ويو إس إس جيرالد فورد الأميركيتين، رغم أن روسيا الآن من الدول المتأخرة في صناعة حاملات الطائرات، حيث صنعت أقوى حاملة خاصة بها سنة 1981 في زمن الاتحاد السوفييتي مع قدرات متواضعة جدا، وهي حاملة طائرات الأدميرال كوزنستوف.
من المتوقع أن يصل طول حاملة الطائرات الجديدة، التي سميت إلى الآن “شتورم”، أي “العاصفة” بالروسية، أو “المشروع 23000-ي”، إلى حوالي 330 مترا، مع عرض يبلغ 40 مترا، ومن المحتمل أن تزيح من الماء ما مقداره 100 ألف طن (يشير كم الإزاحة تحديدا إلى قوة السفن، فكلما ارتفع أصبحت السفينة أقوى)، وهي بهذا الرقم تنافس مباشرة أقوى حاملات الطائرات في العالم، إلى جانب ذلك ستمتلك الحاملة 4 منصات لإطلاق الطائرات، مقسّمة إلى منظومتي إطلاق بالمنجنيق الكهرومغناطيسي الذي يرفع من معدلات الطلعات الجوية ويشغل حيزا أصغر من حاملة الطائرات، إلى جانب منحدرين للإقلاع التقليدي بنظام “التزحلق والقفز”(3).
إنها ببساطة مدينة كاملة تتمكن من السفر في المحيط لمدة 120 يوما بشكل مستقل حاملة 5 آلاف فرد داخلها، مع أكثر من 3 آلاف صاروخ وقنبلة، ومنظومات رادار وحرب إلكترونية متقدمة تضع شتورم في مكان أعلى من المنافسين في كل العالم، لكن إلى جانب ما سبق فهناك قفزة تقنية إضافية، فمن المحتمل أن تتمكن شتورم من حمل 90 طائرة نشطة، وقد صممت بشكل خاص لحمل طائرات السوخوي الثقيلة متعددة الأغراض من الجيل الخامس “سو-57”.
إضافات مدهشة
بشكل أساسي، تمتلك(4) السوخوي “سو-57” ميزتين أساسيتين في مقابل طائرات الجيل الرابع، وهما القدرة العالية على التخفي، والقدرة التقنية الدقيقة على تحسس محيطها واستشعار أوامر الطيار القابع داخلها بدقة شديدة، الأمر الذي يسهّل المناورة بها إلى حد كبير، إلى جانب قدرات حاسوبية متقدمة تتدخل فيها آليات الذكاء الاصطناعي. في مواجهة مباشرة، من المرجح بشكل كبير أن تنتصر السو-57 على أي من رفيقاتها في الجيل الرابع، وهي بالطبع كابوس طائر بالنسبة إلى الأهداف البحرية والبرية.
أضف لذلك أنه في عام 2020 كانت بعض المصادر الروسية قد أفادت(5) بأن حاملة الطائرات الروسية شتورم ستُجهز بنظام صواريخ “إس-500” بروميثيوس المضاد للطائرات، والذي يصل نطاقه إلى 600 كيلومتر ويشتبك في اللحظة نفسها مع ما يصل إلى 10 أهداف بفاعلية ثابتة، مع القدرة على تدمير الأهداف الباليستية باستخدام صواريخ اعتراضية تعمل على ارتفاع أعلى من 185 كيلومترا.
في الواقع، فإن إس-500 ليس مجرد نظام دفاع جوي وصاروخي تقليدي، بل هو منظومة فرط صوتية قادرة على تدمير الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض والأسلحة التي يتم إطلاقها من الفضاء ومن الطائرات التقليدية والطائرات بدون طيار التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والمنصات المدارية أعلى الغلاف الجوي للأرض.
وإلى جانب شتورم، فإن البحرية الروسية تخطط كذلك لفئة أصغر من حاملات الطائرات تسمى(6) “لامانتين (Lamantin)”، بإزاحة قدرها 80-90 ألف طن وكم أقل بالطبع من الطائرات المحمولة وأعداد الأفراد، ربما لتكون بديلا عن شتورم إذا لم تتمكن روسيا من إنجازها، وهذا احتمال قائم لا شك، فالخبرة الهندسية لدى الروس في نطاق حاملات الطائرات ضعيفة ومتقادمة ومتوقفة عند الحقبة السوفييتية بشكل كبير.
أضف لذلك أن تكلفة شتورم ستصل إلى ما يعادل 9 مليارات دولار، وهو رقم صعب خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا والعقوبات التي يضعها الغرب على روسيا خاصة في نطاق المواد الخام والتقنيات، مع أصوات من داخل الجيش الروسي تؤكد أنه يفضل دفع التطوير بشكل أكبر ناحية تطوير تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، وليس الأسلحة التقليدية مهما بلغت أهميتها وضخامتها.
عقيدة بحرية جديدة
لكن في النهاية فإن الروس بحاجة ماسة إلى سلاح كبير (ومخيف) بمستوى شتورم، خاصة بعد الأعطال الشديدة التي طالت “الأدميرال كوزنستوف” مؤخرا فتوقفت عن العمل، ومع انضمام فنلندا إلى الناتو رسميا واقتراب انضمام السويد، باتت البحرية الروسية تواجه تحديات استثنائية لا شك، فهي الآن غير قادرة على استخدام بحر البلطيق بالشكل الذي اعتادت عليه، أضف لذلك أنه بانضمام الدولتين أصبح الناتو على مقربة من القواعد العسكرية الروسية في القطب الشمالي، وهو أمر خطير.
إلى الآن، تواصل موسكو نهجها البحري طويل الأجل(7) الذي يركز على هدفين رئيسيين: الأول هو الحفاظ على قوات الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتطويرها للحفاظ على التكافؤ الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والروس بالفعل يمتلكون أسطول غواصات نووية وغير نووية هائلا هو الأقوى في العالم ويمثل في مجمله نصف قوة البحرية الروسية مجتمعة، إلى جانب هدف جديد وهو تطوير القوات البحرية التقليدية.
في 31 يوليو/تموز 2022، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نسخة محدثة من العقيدة البحرية للاتحاد الروسي(8) شملت تغييرات كبيرة مقارنة بالإصدار السابق من عام 2015، منها اعتزام الكرملين تعزيز قدراته القتالية البحرية في جميع أنحاء العالم والإعلان عن استعداده لاستخدام الوسائل العسكرية لتعزيز مصالحه في المياه الدولية، بما في ذلك نيته زيادة وجوده البحري في أعالي البحار، مع تحول أكبر ناحية المياه القطبية الشمالية.
تركز العقيدة الجديدة على المواجهة الشاملة لروسيا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتؤكد على مكانة أكثر مركزية لاستخدام القوة في الدفاع عن المصالح الروسية العالمية. لكن لكي يحدث ذلك، فإن النسخة الجديدة من العقيدة البحرية الروسية تتوجه إلى إعادة هيكلة كاملة لصناعة بناء السفن، مع تطوير نوعي في قدراتها التكنولوجية والإنتاجية.
كاليبر المرعب
في أكثر من موضع في وثيقة العقيدة الجديدة، يُذكر أن روسيا هي “قوة بحرية عظمى”، ولها مصالح في جميع البحار والمحيطات، لكن هل سيتمكن الروس من تحقيق تلك التطلعات؟ شتورم هي محاولة للوصول إلى تلك النقطة لا شك، لكنها ليست المحاولة الوحيدة. على سبيل المثال، في مارس/آذار الماضي(9) أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أن الغواصة المستقبلية من فئة “لادا كرونشتاد”، التي يجري بناؤها حاليا، ستُجهَّز بصواريخ كاليبر كروز المحدثة عالية الدقة.
لا يقف الأمر عند الغواصات فقط، بل ورد في السياق نفسه أن طرادات الأدميرال ناخيموف التي تُحدَّث الآن ستُسلَّح بصواريخ كاليبر، ويبدو أن البحرية الروسية تطمح إلى تطوير معظم أسطولها البحري بفئات متنوعة في المدى والقوة والطول من صواريخ كاليبر عالية الدقة في ضرب الهدف، والتي تحمل جميعها رأسا حربيا بوزن حوالي 450 كيلوجراما (أو رأس نووي)، تطورت هذه الصواريخ مؤخرا(10) لتضاعف مدى عملها من 1500-2500 كيلومتر، ليصل في أحدث وأدق نسخة إلى 4500 كيلومتر، يمد ذلك ذراع الضربات الروسية إلى أبعد من أي وقت مضى.
الميزة في هذا السياق هي أنه في عصر تتطور فيه الصواريخ لتصبح فتاكة بشكل مذهل وذات مدى أطول بشكل متزايد، فإن إحدى الخطط الذكية هي نشر القوة النارية لهذه الصواريخ في عدد كبير جدا من المنصات الصغيرة (السفن الحربية بأنواعها)، وهذا تحديدا هو ما يقلق أعداء الروس من خطتها لتوزيع النسخ الأكثر تطورا من “كاليبر” على الكثير من قطع الجيش الروسي.
تمتلك روسيا حاليا(11) حوالي 150 طرادا وقارب دورية وسفينة حربية صغيرة في أسطولها البحري، كل منها يزيح بضعة مئات أو ربما آلاف من الأطنان من الماء، بينما تشغل البحرية الروسية أقل من 30 فرقاطة ومدمرة كبيرة، وبالطبع حاملة طائرات واحدة ما زالت في ورشة الإصلاح. على النقيض من ذلك فإن البحرية الأميركية تمتلك بضع عشرات من هذه المقاتلات السطحية الصغيرة، وأكثر من 100 مقاتلة كبيرة.
في ضوء ذلك، تخطط البحرية الروسية حاليا لبناء فئة جديدة من المركبات متعددة الأغراض تشمل مدمرة وطرادا يعملان بالطاقة النووية وسفينة حربية كبيرة مضادة للغواصات. بطول محتمل يساوي حوالي 200 متر، يمكن لتلك الفئة الجديدة التي سميت “ليدار”12 أن تبحر بشكل مستقل دون دعم خارجي لمدة تصل إلى 90 يوما مع سرعة 59 كيلومترا في الساعة، ويُقدَّر أن تزيح من الماء حوالي 17500 طن.
بخلاف ذلك، ما تزال هناك الكثير من المشاريع قيد التطوير، الكثير منها تحديثات لقطع بحرية قائمة، مثل فرقاطات “بويان-ن” و”الأدميرال غورشكوف” و”الأدميرال جريجوروفيتش” و”جيرمانياشي” و”الأدميرال كاساتونوف”، تتميز بعض تلك المشروعات بقدرات عالية جدا على التخفي، إلى جانب تسليحها جميعا بصواريخ كاليبر عالية الدقة وصواريخ فرط صوتية، ما يجعل بعض هذه الفئات أخطر في القتال من الكثير من المدمرات حول العالم.
مشكلة روسيا
لكن على الرغم من ذلك، فإن روسيا ما تزال تواجه مشكلات كبرى في خططها التحديثية للقوات البحرية، والسبب الرئيسي الذي ذكرناه سابقا هو التكلفة المرتفعة لهذه التحديثات في ظل حرب قائمة وعقوبات غربية وإمداد شحيح بالموارد المطلوبة لإتمام العمل، حتى إن روسيا، التي كانت يوما ما مورد التقنية العسكرية الرئيسي للصين، أصبحت أحد المستوردين من الصين حاليا.
بحلول نهاية عام 2022، أنهت الشركة الروسية المتحدة لبناء السفن دورة العمل السنوية بخسارة13 صافية تصل إلى عشرات المليارات من الروبلات، وتعرضت لمزيد من التأخير في إمداد البحرية بالسفن الجديدة والتي تم إصلاحها، فضلا عن تأجيل الانتهاء من إصلاح وتحديث الطراد الذي يعمل بالطاقة النووية الأدميرال ناخيموف حتى عام 2024، والذي كان مخططا له في الأصل لعام 2022، وتأجيل موعد الانتهاء من إصلاح وتحديث حاملة الطائرات الروسية الوحيدة الأدميرال كوزنتسوف إلى عام 2024.
ويبدو أن هذه المشكلات لم تتعلق فقط بالحرب، بل كانت لها جذور سابقة في روسيا، فمثلا في عام 2009 توقع الرئيس الروسي14 وقتها دميتري ميدفيديف أن تمتلك روسيا 5 أو 6 حاملات للطائرات بحلول أواخر عشرينيات القرن الحالي، لكن هذا لم يحدث، حاملة واحدة إلى الآن قيد التخطيط وهي “شتورم”، ولم تدخل حتى إلى نطاق البناء بعد، ويعتقد أنها لن تكون جاهزة للعمل قبل العقد القادم.
تحاول روسيا التكيف مع كل تلك العقبات بإنتاج عدد كبير من المركبات الصغيرة المحملة بصواريخ خطيرة حقا، لكن رغم ذلك ما تزال عيون الكريملين مثبتة على حلم مستقبلي ينقل البحرية الروسية، التي ما تزال تُعَدّ بالفعل ثالث قوة بحرية على وجه الأرض بعد الولايات المتحدة والصين بقدر إزاحة إجمالي يساوي 1.3 مليون طن للسفن القادرة على القتال بعيد المدى، إلى مستوى مرعب بالنسبة إلى أعدائها، حلم يتمثل في حاملة طائرات خارقة تبحر بخيلاء في محيطات الأرض لا يوقفها شيء.
ليس هذا الحلم جديدا، فمنذ الحقبة السوفييتية كانت القوات البحرية لموسكو تعمل على بناء الأسطورة “أوليانوفسك”15، حاملة الطائرات الفائقة التي كان من المقرر أن يصل طولها إلى 300 متر، وتعمل بأربعة مفاعلات نووية، وبسرعة تصل إلى 56 كيلومترا في الساعة، مع إزاحة 85 ألف طن، وحمولة تُقدَّر بـ70 طائرة و3 آلاف فرد. لكن بحلول عام 1991 انهار الاتحاد السوفييتي، وكانت أوليانوفسك قد اكتملت بنسبة 40% فقط، أُلغي المشروع بحلول نهاية عام 1992، لكن الحلم لم يزل مستمرا، وهو يداعب خيال الكرملين إلى اليوم.
——————————————————————————–
المصادر
1- Russia Kicks Off Work on Engine for Nuclear-Powered Supercarrier
2- Krylov State Research Center – 23000E Shtorm
3- Russia wants to build the ‘biggest aircraft carrier in the world’ to compete with the US
4- Sukhoi Su-57 Felon Fighter Jet, Russia
5- Russian Shtorm aircraft carrier to potentially be fitted with S-500 anti-aircraft systems
6- Russian Designers Display ‘Budget Option’ for Future Aircraft Carrier Design – Introducing the Project 11430E Lamantin
7- Russia’s Questionable Naval Modernization During Wartime
8- Russia’s New Naval Doctrine: A ‘Pivot to Asia’?
9- Russian Navy to upgrade vessels with Kalibr cruise missiles
10- Russia’s Dangerous “Kalibr” Cruise Missile Could See Range Doubled: Report
11- How Russia Is Slowly, but Surely, Modernizing Its Entire Navy
12- Project 23560E Shkval
13- Russia’s Questionable Naval Modernization During Wartime
14- Global Maritime Power? Russia’s Navy faces an uncertain future
15- The Soviets tried and failed to build a nuclear-powered aircraft carrier to match US flattops
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.