رغم أن المسلسل اسمه “الغرفة المزدحمة” (The Crowded Room)، فإن حلقاته تبدأ في غرفة خالية إلا من البطل الجالس بهدوء وتحفُّظ على كرسيه أمام طاولة في انتظار المحققة التي تساعده على اكتشاف ماضيه الذي قاده إلى هذه النقطة الحالية.
وعلى مدار حلقات مسلسل “الغرفة المزدحمة”، نحضر مع الشاب داني سوليفان وريا غودوين هذه الجلسات الطويلة التي تعتمد بشكل أساسي على تقنية “فلاش باك” (Flash Back)، وقد بدأ عرض العمل في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، ومن المنتظر استمراره حتى 28 يوليو/تموز الجاري، وأصدرت منصة “آبل تي في بلس” (+Apple TV) 7 حلقات من المسلسل إلى الآن.
غموض أحبط النقاد
مسلسل “الغرفة المزدحمة” مقتبس عن كتاب بعنوان “عقول بيلي ميليغان” (The Minds of Billy Milligan)، والمأخوذ في الأساس من القصة الحقيقية للشاب بيلي ميليغان أول أميركي يُخفَّف حكمه بسبب إثبات اضطرابه العقلي، تبدو هذه المعلومات غير مهمة، ولكنها ضرورية للغاية في سياق هذا المسلسل، فمن قبل بداية الأحداث يعرف المشاهد أنه أمام “راو غير موثوق به”، وما يقوله يجب ألا يعده حقيقة إلا بعد كثير من التمحيص، وهو الدور الذي تقوم به المحققة ريا غودين التي تقدم دورها أماندا سيفريد.
نقطة البداية هي جريمة إطلاق الرصاص التي قام بها داني سوليفان، والتي يحاول فك غموض دوافعه لها بعرض شذرات من ماضيه، التي تبدو متناقضة في كثير من الأحيان، أو على الأقل لا تتسق معا في تقديم نسيج حياة هذا الشاب ابن الأسرة الأميركية من الطبقة الوسطى الدنيا.
مصطلح “الغرفة المزدحمة” في هذا السياق يشير بشكل أساسي إلى ذهن البطل نفسه، المتخم بالشخصيات التي لا يمكن التأكد من حقيقتها خلال سرده عنها، والذكريات المتشابكة، بل شخصية أخ توأم لا يتأكد المشاهد من كونه حقيقيا أم جزءا من أعراض انفصام يدعي البطل الإصابة به.
هذه الطريقة في السرد سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن تُبقي المتفرج منشغلا بتفنيد كل المعلومات التي يحصل عليها، أو تتحول بسهولة إلى متاهة حلزونية يشعر المشاهد أنه أسيرها، كما لو أنه بطل المسلسل، ولكن بلا أمل في النفاذ إلى الحقيقة.
مسلسل “الغرفة المزدحمة” تحول إلى الحالة الثانية، فحتى منتصف المسلسل لم يتم الكشف إلا عن الحدود الدنيا من التفاصيل ولم تتقدم الحبكة سوى بضعة خطوات، ومن ثم يمكن الاستغناء عن حلقات كاملة -وليس فقط بضعة مشاهد- من دون أن ترتبك الأحداث، وذلك لأن المسلسل انهمك في إعادة سرد القصص نفسها التي تفضي إلى المعلومات ذاتها بوسائل مختلفة.
هذا الأمر بالأساس هو السبب في التقييمات المنخفضة للمسلسل على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes)، إذ وصلت إلى 33% من النقاد، وقد أضيف إلى صفحة تقييم المسلسل على الموقع هذا الوصف: “تم تأثيث (الغرفة المزدحمة) بموهبة لا يمكن إنكارها مبنية على فرضية واعدة، لكن القصة تدور في دوائر، مما يؤدي إلى تجربة مرهقة ومحبطة في كثير من الأحيان”. وهو وصف لا يمكن إنكار حقيقته، فلم يفلح صناع المسلسل في تحديد ذلك الحد الفاصل بين الغموض المثير والغموض المحبط.
الخروج الصعب من عباءة “سبايدرمان”
توم هولاند (27 عاما) ذاق طعم النجاح منذ 8 سنوات، قبلها كان ممثلا شابا يتنقل بين الأدوار الصغيرة في السينما والمسرح، حتى تحول بين ليلة وضحاها إلى “سبايدر مان” الجديد في عالم “مارفل” الممتد، واكتسب بهذا الدور شعبية واسعة للغاية، وتحول إلى واحد من أكثر ممثلي جيله شهرة ونجاحا، ولكن كأي ممثل ذكي لا يرغب في أن يصبح حبيسا لدور واحد يحاول هولاند بشكل مستمر الخروج من هذا الإطار الضيق.
قدم هولاند خارج “مارفل” العديد من الأدوار، إلا أنه لم يحقق أي منها نجاحا مماثلا لسبايدرمان، فأغلبها كذلك استمر في تأطيره بدور الشاب المغامر اللطيف والمحبوب، عدا دورين فقط حاول فيهما كسر هذه الصورة النمطية، الأول في فيلم الإثارة والجريمة “شيطان أبد الدهر” (The Devil All the Time) إنتاج 2020، الذي عُرض على “نتفليكس” (Netflix) واستقبل على نحو فاتر من النقاد، وجاءت التجربة الثانية مع مسلسل “الغرفة المزدحمة”.
في هذين الدورين، يقدم توم هولاند شخصية الشاب المضطرب، الذي يقف على الحافة بين الخير والشر، تمكنه ملامحه البريئة من الخداع، ولكن في الوقت ذاته عبر أدائه نرى أبعادا أكثر عمقا للشخصية تجعلها معادية للمجتمع، ربما لم يتلق النقاد هذه الأعمال بشكل حسن، ولم تحصل على التقدير، ولكنها تفصح عن رغبة الممثل في الخروج من الدوائر الضيقة التي يمكن بسهولة حصره بها.
يقدم داني سوليفان في مسلسل “الغرفة المزدحمة” شخصية شاب يعاني خللا نفسيا، وعبر الحلقات يتم سبر غور الأسباب وراء هذا الاضطراب، إذا كانت له علاقة بماضيه بالفعل كما يدعي، أم أن الأمر كان متأصلا في شخصيته.
ويبدو أن السيناريو لم يساعد توم هولاند بما فيه الكفاية في العمل الجديد، ولكن اجتهاده في الأداء يظهر بوضوح من أول وهلة، الأمر الذي كلفه كثيرا من سلامه النفسي، حسبما صرح بنفسه.
مسلسل “الغرفة المزدحمة” إنتاج مختلف عن إنتاجات “آبل تي في بلس” الأخرى، فهو لم يهتم ببذخ أماكن التصوير، والمؤثرات الخاصة، مثل “صومعة” (Silo) و”انظر” (See)، أو طَرق قضايا مجتمعية ساخنة مثل “البرنامج الصباحي” (The Morning Show)، بل اهتم بشكل أساسي بقصة حقيقية يفترض أنها مثيرة، ولكن لم تفلح -إلى غاية الآن- في تحقيق تطلعات الجمهور من العمل.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.