اتهم الباحث والمفكر الفرنسي فرانسوا بورغا -في حواره مع برنامج “المقابلة”- الدولة الفرنسية بتبني خطاب عنصري ضد المسلمين ابتداء من 2019، مرجعا الصراع الحالي بين فرنسا والمسلمين إلى ما سماه الصراع بين أحفاد المستعمِرين وأحفاد المستعمَرين.
وقال إن الخطاب الإسلاموفوبي في فرنسا كان مقتصرا على فئات معينة من المجتمع، اليمين المتطرف واليمين، ثم انتقل إلى أجزاء من اليسار، وابتداء من 2019 أصبح الخطاب العنصري خطاب الدولة الفرنسية.
وأضاف أنه بعد ان كانت الحكومة الفرنسية في الماضي تجرّم وتدين وتقمع أفعال أقلية من المواطنين المسلمين، بدأت منذ 2019 تجرّم وتقمع ليس الأفعال والممارسات وإنما آراء أكثرية المواطنين المسلمين.
ومنذ عام 2020، بدأت الحكومة الفرنسية -كما يضيف بورغا في حديثه لحلقة (2023/7/6 ) من برنامج “المقابلة”- تمنع الممارسة العادية لطقوس الدين الإسلامي، وصار هناك خطاب جديد يتبناه قادة الحكومة ويَعتبر أن ممارسات المسلمين مثل الصلاة والأكل الحلال وطريقة تربية الأبناء تتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وبينما كان الاستهداف في الماضي ضد “الجهاديين” صار يطال “السلفيين”، ثم انتقل إلى تجريم “تيار الإخوان المسلمين” ضمن حملة رسمية جديدة. وتابع بورغا أن الحكومة الفرنسية أدخلت كلمة أخرى وهي” البيئة”، أي لم يعد الأمر يقتصر على تجريم المواطن المسلم بل تجريم بيئته، أهله وأقاربه.
وربط يورغا الصراع الحالي بين المسلمين وفرنسا بـ3 أبعاد، الأول يتعلق بتنافس الأديان والثاني بخصوصية العلمانية الفرنسية المتشددة التي جاءت من ظروف الثورة الفرنسية عام 1789، حيث كانت المؤسسة الدينية (الكنيسة) وسيلة بيد السلطة المطلقة للملك.
أما البعد الثالث، وهو لب الموضوع وفق ضيف برنامج “المقابلة”، فيتعلق بأن “أحفاد المستعمِرين يرفضون وجود أحفاد المستعمَرين”، حيث يرفضون أن يرتفع صوتهم في المجتمع الفرنسي وأن يطالبوا بحقوقهم وبكتابة صفحة التاريخ.
ورأى أن أحفاد المستعمِرين يخشون من أحفاد المستعمَرين، لأن الجيل الرابع والخامس منهم يمتلك الخبرة والثقة بالنفس ويرفع صوته داخل المجتمع الفرنسي، ويطالب بحقوقه الأساسية، حيث يواجه هؤلاء مشاكل في الحصول عليها.
كما أشار إلى أن الصراع السياسي الحقيقي في فرنسا لم يعد بين اليمين واليسار، بل صار بين اليمين المتشدد في الحكومة واليمين المتشدد في المعارضة، منوّها إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون بعد أزمة ما عرف بـ”السترات الصفراء” فهم أنه لا يستطيع استقطاب الناخبين الوسط ولا بد من استقطاب أصوات اليمين المتطرف.
الانقسامات الداخلية للمسلمين
وفي المقابل، أشار المفكر الفرنسي إلى مسؤولية الانقسامات الداخلية عند المسلمين ووصفها بالخطيرة جدا، قائلا إن المسلم الفرنسي لا يتعامل مع البيئة السياسية كأنه مسلم فرنسي، وإنما يتعامل معها على أساس أنه مسلم جزائري أو مسلم مغربي أو مسلم تركي، داعيا هؤلاء إلى توحيد صفوفهم وتجاوز فترة تاريخ الانتماء لبلدان أجدادهم.
كما أقر بوجود ما سماه “التشدد الإسلامي” في فرنسا، بدليل ما وصفها بالضربات الإرهابية في فرنسا 2015 والتي أدت إلى حدوث تشدد في الخطاب السياسي الفرنسي.
كما اتهم من أطلق عليهم اسم “الحكام المستبدين” في المنطقة العربية بالمشاركة في عملية تجريم المواطن المسلم في فرنسا وأوروبا، وتحدث عن تنسيق بين بعض الأنظمة والحكام الأوروبيين وإسرائيل، مبرزا أن الاتفاقيات الأخيرة جعلت الظاهرة أوسع.
وبشأن تراجع دور وسمعة فرنسا في أفريقيا وفي الدول العربية، ربط ضيف برنامج “المقابلة” هذا التراجع بتركيز الحكومة الفرنسية على المصالح الانتخابية، مشيرا إلى أن الرئيس ماكرون ربما يعرف أن الدبلوماسية الفرنسية تسير في اتجاه خاطئ، لكنه يعطي الأولوية لمسألة استمراره في السلطة.
ومن أجل تصحيح هذا المسار، دعا فرنسا إلى القبول بفكرة عدم الهيمنة على العالم والتركيز على المشاكل الحقيقية التي لا علاقة لها بالآخر.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.