خبيران فرنسيان بارزان يتحدثان عن خفايا الحرب في أوكرانيا | سياسة


استبقت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية نشر كتاب “خفايا الحرب في أوكرانيا” للكاتبين ميشيل غويا وجان لوبيز، لتقدم منه مقتطفات حصرية عن حرب الروس على أوكرانيا والتي ما زالت تشعل النار في أوروبا منذ 15 شهرا، وردا على عشرات الأسئلة مثل ما الذي حدث؟ وهل قدر من أشعل هذه الحرب أن يغرق في مستنقعها؟ وهل هناك احتمال بأن يعم الحريق الجميع؟ وما الوضع الحقيقي للقوى على الجبهة؟ وهل أوكرانيا لديها وسيلة للانتصار؟ وغير ذلك من الأسئلة.

الكاتبان هما أولا ميشيل غويا، وهو عقيد سابق في القوات البحرية وكاتب مقالات تاريخية بارزة، وهو من أفضل الخبراء العسكريين المعاصرين، ويقدم تحليلات في المجلات المتخصصة وعلى القنوات الإخبارية، وثانيا مدير دورية “الحروب والتاريخ” (Guerres et Histoire) جان لوبيز، وهو متخصص في التاريخ العسكري الروسي والسوفياتي.

بدأ الكاتبان بعد أشهر قليلة من بدء هجوم روسيا على أوكرانيا، حسب جان كريستوف بويسون الذي لخص الحوار للمجلة- في تبادل الآراء والأفكار والأسئلة حول الصراع غير المسبوق الذي ضرب أوروبا، ليرد كل منهما للآخر على كل الأسئلة التي يوجهها إليه بصراحة ودقة، مع الحرص دائما على وضع سياق لكل ملاحظاتهما.

وقد جُمعت هذه الردود في كتاب يعد اليوم تقييما ضروريا وواضحا بشكل لا يصدق لعام من الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الروس والأوكرانيين.

العمى الغربي

انطلق الكاتبان مما سمياه العمى الغربي الذي منع الأوروبيين من رؤية الحرب قبل وقوعها، رغم إعلان الولايات المتحدة عن تحركات غير عادية للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية قبل الحرب بأشهر، ورغم وصول وحدات روسية إلى بيلاروسيا بهدف إجراء “مناورات عسكرية” مشتركة، في تكتيك كلاسيكي من الخداع، وتساءلا: هل أوكرانيا والمخابرات الغربية انطلت عليهما الخدعة الروسية كما وقع لكثير من المراقبين؟

ونبه جان لوبيز إلى أنه لم يكن هو ولا غيره قبل شهر من الحرب يظن أنها ستقع لسبب بسيط، “لأنني كنت أفكر قبل كل شيء في التناقض بين التكلفة الهائلة لهذه الحرب بالنسبة لروسيا والمكاسب المأمولة، وهو تناقض واضح للجميع، على ما يبدو، إلا للرئيس الروسي لفلاديمير بوتين”.

ومن ناحيته، كان ميشيل غويا يرى أن العالم بعد عام 1990 دخل فترة أصبحت فيها الحروب بين الدول باستثناء أفريقيا حكرا على الولايات المتحدة، باعتبارها قوة عسكرية مهيمنة تتمتع بحرية التصرف على الصعيد الدولي، تشن حروبا عقابية على دول تسميها الدول “المارقة”.

المخربون الروس في كييف

تساءل جان لوبيز: هل كان الروس قد حاولوا القضاء على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بداية هجومهم؟ ليوضح ميشيل غويا العديد من الشائعات التي تم تداوله حول هذا الموضوع، من ذلك أنه أسند إلى شركة فاغنر أو إلى كتيبة الشيشان التي كانت في صفوف الجيش الـ35، وهي مسؤولة عن اغتيال القادة الأوكرانيين، أو ربما كانت المهمة متروكة “للمخربين الروس” من أجهزة استخبارات الجيش الذين كانوا يتسللون إلى العاصمة منذ عام، أو ربما للقوات الخاصة من اللواء 45.

ولم يكن الأمر -حسب غويا- يتعلق فقط بإقصاء زيلينسكي على أهمية ذلك، بل كان يتعلق بقطع رأس السلطة التنفيذية الأوكرانية بأسرع ما يمكن، وهي مهمة كان من المفترض أن تتم بشكل متزامن تقريبا مع دخول القوات الروسية إلى العاصمة، ورغم فشل الخطة ظل المسؤولون الأوكرانيون يتحدثون عن عدة محاولات لاغتيال الرئيس في فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين.

وذكر غويا أن غزو الجيش السوفياتي لأفغانستان عام 1979 بدأ باغتيال الرئيس الأفغاني في قصره من قبل وحدة النخبة، وفي أوكرانيا استقر العملاء الروس أحيانا مع عائلاتهم حتى لا يثيروا الشك بشكل قانوني في المدن الكبرى، مثل كييف وخاركيف، قبل عدة أشهر من بدء الحرب، مما يشير إلى أن الغزو كان مخططا له منذ مدة طويلة، وكانت مهمتهم توفير المعلومات، وإذا لزم الأمر تنفيذ إجراءات محددة، وقد أطلق عليهم الأوكرانيون لقب “المخربين” وبذلوا جهدا كبيرا في مطاردتهم.

أبطال حقيقيون وأبطال خارقون مزيفون

أشار الكتاب إلى صعوبة الفصل بين الحقيقة والباطل بالنسبة للمراقبين الخارجيين، وقدم كمثال على ذلك قصة الاستيلاء على جزيرة الثعابين في اليوم الأول من الحرب من قبل الروس، حين تداول الناس على شبكات التواصل الاجتماعي مكالمة تأمر فيها البحرية الروسية 13 جنديا أوكرانيا من حامية الجزيرة بالاستسلام أو الموت، ويكون الرد “اللعنة عليكم”، حتى إن زيلينسكي أشاد بالموت “البطولي” للمدافعين عن الجزيرة، غير أن الحقيقة هي أن الجنود أسروا وأعيدوا إلى بلدهم في تبادل للأسرى.

ولم تكن هذه هي الأسطورة الوحيدة التي تهدف إلى تمجيد البطولة الأوكرانية، ففي 25 فبراير/شباط الماضي، نشر الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو تغريدة تستحضر طيارا مقاتلا غامضا أسقط بالفعل 6 طائرات روسية، سرعان ما أطلقت عليه الصحافة الدولية لقب “شبح كييف”، وتحدثت عنه مواقع حكومية أوكرانية مختلفة، قبل أن تعترف بأن هذا الشبح الذي حقق 40 انتصارا جويا لم يكن موجودا على الإطلاق، مثل المقاتلة الخارقة التي زعم أنها دمرت عشرات الدبابات.

وأوضح الكاتب أن هذه الشائعات حول أبطال خارقين خياليين تلاشت بسرعة، لأن هناك أبطالا حقيقيين يجب ذكرهم أولا، ولأن الأوكرانيين يدركون أيضا أن الأكاذيب مهما كانت تساعد في دعم معنويات الأمة، فإن استخدامها يؤدي إلى نتائج عكسية تجاه الرأي العام الخارجي الذي يعدّ دعمه ضروريا.

تحدي العدالة الدولية

وتطرق الكاتبان إلى الانسحاب الروسي على عجل من كييف والمناطق القريبة منها، تاركين مقابر جماعية وجثثا تحمل آثار التعذيب في عدة أماكن في بلدة بوتشا الصغيرة، لتشتعل حرب الدعاية على الفور، ويتم حديث عن تقديم بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتضغط الولايات المتحدة لتعليق مشاركة روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في حين ينكر الروس ما هو جلي -حسب غويا- بل يحاولون عكس هذا الاتهام من خلال إطلاق العديد من النسخ المضادة مثل المونتاج الأوكراني والجثث التي تمثل جهات فاعلة والانتقام الأوكراني من المدنيين الذين كانوا يرحبون بالروس.

وأشار الكتاب إلى أن من سمات هذه الحرب أن الإجراءات القانونية لجرائم الحرب بدأت قبل أن ينتهي القتال، إذ تحقق وزارة العدل الأوكرانية في جميع الحالات التي تمت ملاحظتها منذ بدء الأعمال العدائية، رغم أن الفرصة ضئيلة في محاكمة المشتبه فيهم، ناهيك عن التسلسل القيادي الذي يوصل إلى الرئيس بوتين إلا في حالات الوقوع في الأسر، كما حدث مع الرقيب تشيتشيمارين الذي أدين في مايو/أيار 2022 بإطلاق النار على مدني.

وبحلول نهاية أغسطس/آب 2022، كان مكتب المدعي العام الأوكراني قد وثق أكثر من 29 ألف جريمة حرب، وحدد أكثر من 624 مشتبها فيهم، وحاكم 160 منهم، علما أن أوكرانيا وروسيا ليستا من الدول الموقعة على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لا يمكن لهاتين الدولتين تقديم الشكاوى لها، ولكن ذلك يمكن لجميع الدول الموقعة بموجب المفهوم القانوني “للولاية القضائية العالمية” التي تنطبق على جرائم الحرب.

وفي هذا السياق، أشار جان لوبيز إلى إصدار الدائرة التمهيدية الثانية للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف ضد شخصين في سياق الوضع في أوكرانيا، هما الرئيس بوتين والمفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا، منبها إلى أنه لا يمكنك تقديم دولة عظمى للعدالة إلا إذا هُزمت بالكامل.

وختم جان لوبيز بمسألة تجنيد السجناء في الجيش الروسي، وقال إنها ليست بالأمر الجديد، وإنها تراث سوفياتي وربما أقدم من ذلك كانت معروفة لدى الجيش الإمبراطوري الروسي، وقد وصلت هذه الممارسة في عهد الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين، خلال الحرب الوطنية العظمى، إلى آفاق جديدة للتعويض عن الخسائر الفادحة، حيث تم سحب أكثر من مليون من سجناء الحق العام من معسكرات العمل مع وعد بإلغاء أحكامهم إذا كان سلوكهم مثاليا، وقد تم تفسير هذه الممارسة بالضرورة.


اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post إنشاء منطقة صناعية للرخام والجرانيت بأسوان على مائدة لجنة الصناعة بالنواب
Next post كوريا الشمالية تطلق قمرا صناعيا خلال أسابيع.. وطوكيو ترجح أنه صاروخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading