مقدمة الترجمة:
منذ الأسابيع الأولى للحرب في أوكرانيا، أعلن رجل الأعمال والملياردير الأميركي إيلون ماسك تزويد كييف بخدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التي تقدمها شركته ستارلينك، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الخدمة مهمة للغاية للتواصل ليس فقط بين الأشخاص العاديين، ولكن الأهم بين الوحدات العسكرية الأوكرانية، وهو ما دفع موسكو للاهتمام بتشويش الإشارات الخاصة بها. فما الذي فعلته روسيا؟ وكيف تغلب الأوكرانيون على الأمر؟
نص الترجمة:
يدرك أحد الجنود المقاتلين لصالح أوكرانيا، نتيجة لعمله خلف خطوط العدو، بأن الروس سيبحثون عنه في اللحظة التي يَعدُّ فيها طبق الإنترنت المحمول “ستارلينك”، وهو ما يفعله هو ورفاقه في الحالات الاضطرارية حين يكونون بحاجة إلى التواصل مع قياداتهم. ويقول الجندي، صاحب رمز الاتصال “بوريس”، إن الروس “سيعثرون عليك لا محالة، ولذا عليك أن تعد طبق الإنترنت بسرعة، ثم تغادر المكان”. ويعمل هذا الجندي، الذي خدم سابقا في الفيلق الفرنسي الأجنبي، ضمن وحدة الاستطلاع والتخريب، وهو واحد من ضمن جنود كُثر يرون في خدمة ستارلينك سيفا ذا حدَّيْن. وكما هو حال الجنود الآخرين الذين قابلهم موقع “ديفِنس وان”، طلب “بوريس” أن يُشار إليه برمز الاتصال الخاص به لدواعٍ أمنية.
من ناحية، يشير الجنود الأوكرانيون إلى أن ستارلينك أساسي لعملياتهم، لا سيما قدرته على مساعدتهم في تنسيق الضربات المدفعية المدمرة ضد القوات الروسية. ومن ناحية أخرى، وصف الجنود الأوكرانيون طُرُقا شتى يُمكن للروس من خلالها تحديد مواقع الأجهزة وتشويشها وتحطيمها، حيث إن الأجهزة غير مُخصَّصة للاستخدام في أرض المعركة. والنتيجة النهائية لذلك تمثلت في سباق لا نهاية له، حيث تُسرِع أوكرانيا للابتكار الإلكتروني، بينما تسعى روسيا حثيثا للتغلُّب على تلك الابتكارات أولا بأول.
يقول “تود هَمفريز”، أستاذ بجامعة تكساس في أوستن دَرَس أجهزة ستارلينك، إن من المُحتمَل أن تُحدد معدات الاستخبارات الروسية الأجهزة عن طريق إجراء مسح يتتبع عمليات إرسال مشتبهٍ بها، كما جرى مع بوريس. فقد أبلغ أحد مُشغلي الطائرات الأوكرانية المُسيرة الذي يحمل رمز الاتصال “بروفيسور” أن هناك تشويشا مُطوَّلا حال دون استخدام فريقه لوحدة ستارلينك الخاصة به، وقال “بروفيسور” إن التشويش بدأ منذ أشهر، وأضاف أن حِدَّته تختلف من مكان إلى آخر.
بين ستارلينك والتشويش الروسي
قد يستمر التشويش الروسي في بعض الأوقات يوما كاملا، ويقول “بروفيسور” إنه فعال حقا. أحيانا في حال لم توجد إشارة لستارلينك، يحاول “بروفيسور” المسؤول عن تشغيل الطائرة المسيرة إيجاد حل جديد، فيضعه في خندق كي يُبعِد عنه التشويش. وتعود الإشارة في هذه الحال، رغم أن ذلك لا ينجح إلا في بعض الأحيان فقط. من جانبه، أشار “براين كلارك”، الباحث البارز في معهد هَدسون الأميركي والخبير في الحرب الإلكترونية، إلى أن هذا من شأنه المساعدة في حماية ستارلينك من التشويش الروسي، الذي يعتمد على نظام تحديد المواقع (GPS).
إن ستارلينك تحديدا عُرضة لمثل هذا النوع من التشويش، فكل جهة اتصال في أوكرانيا تستخدم وحدة متصلة بنظام تحديد المواقع العالمي لتعيين أي قمر صناعي يجب عليه تزويدهم بالاتصال بالإنترنت. ومن حُسن حظ أوكرانيا، فإن إشارات التشويش المعتمدة على نظام تحديد المواقع العالمي ذات قدرة منخفضة، ما يعني أن التراب أو الخرسانة قادرة على حجب إشارات التشويش الروسية. وبحسب ما قاله كلارك، ما دام قد وُجِد حاجز بين جهاز ستارلينك وإشارة التشويش الروسية، فإن الجهاز يستطيع إكمال عمله.
وقد صرَّح قائد طائرة مسيرة أوكراني يحمل رمز الاتصال “مورغِنشتيرن” بأنه واجه مشكلات مماثلة مع معدات أخرى تستخدم نظام تحديد المواقع العالمي: “أعتقد أن الروس جلبوا بعض المعدات الأكثر تطورا مؤخرا، أو أن عدد المعدات نفسها قد زاد ليس إلا”. وعقَّب كلارك بقوله إن أوكرانيا لا يمكنها وضع مسيراتها في خندق فحسب بغية حمايتها من تشويش الطائرات المسيرة الروسية “أورلان-10″، لكن هناك طرق أخرى متاحة أمامها. وبما أن ستارلينك تتيح لمستخدميها إدخال مواقعهم على نظام تحديد المواقع العالمي يَدويا، فيمكن للمستخدمين في أوكرانيا وضع جهاز استقبال رخيص خارج نطاق التشويش الروسي، ومن ثم إدخال موقعه في محطة ستارلينك التي يستخدمونها.
قال أحد قادة وحدة الطائرات المسيرة القريبة من مدينة باخموت الأوكرانية إن المشكلات التي تواجهه غير متعلقة بتشويش نظام تحديد المواقع العالمي، وإن وصلة اتصال ستارلينك نفسها تدهورت منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى مستوى لم يعُد يُمكِّن وحداته من إجراء اتصالات صوتية. وعِوَضا عن ذلك، لم يعُد مُمكنا للجهاز سوى إرسال واستقبال رسائل نصية فحسب، كما تستغرق محطة ستارلينك الآن وقتا أطول لإيجاد الأقمار الصناعية. ووفقا لكلارك، فإن هذه المشكلات حدثت على الأرجح نتيجة لأنظمة التشويش الروسية المتطورة التي تهاجم وصلة المعلومات الرأسية بالأقمار الصناعية. وغالبا ما يحفظ الجيش الروسي هذه الأنظمة لتقوم بمهمة الدفاع عن الأراضي الروسية ذاتها، وهي أنظمة عُرضة للغارات الأوكرانية نظريا، إذ يجب نشرها على بُعد عشرات الكيلومترات فقط من أهدافها، كما أنه ليس سهلا تحريكها ونقلها في أرض المعركة.
معدات التشويش تصِل باخموت
يتوافق احتمال نقل روسيا لهذه الأنظمة القيمة إلى باخموت مع التقارير التي تشير إلى نشر المزيد من القوات الروسية المحترفة لإحكام السيطرة على المدينة، التي لا تزال تشهد معارك شرسة من الطرفين حتى اللحظة، حيث تحاول روسيا السيطرة عليها منذ نهايات العام الماضي، وتُطوِّقها جزئيا هذه الأيام. وقد أفاد جندي في وحدة الطائرات المسيرة في باخموت في 14 فبراير/شباط بأن روسيا أرسلت المزيد من الجنود المحترفين لمهاجمة المواقع الأوكرانية.
وقد صرَّح مستشار الرئيس الأوكراني “ميكايلو بودولياك”، في 10 مارس/آذار الماضي في حوار مع صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية، بأن روسيا قد خصَّصت عددا كبيرا من أفرادها العسكريين المُدرَّبين لمعركة باخموت. وقال كلارك إن التشويش الذي تقوم به الأقمار الصناعية الروسية يُمكن التغلب عليه عن طريق إجراء تعديلات على برنامج ستارلينك. ففي مارس/آذار 2022، دفع مهندسو ستارلينك سريعا من أجل تحديث شفرات القمر الاصطناعي ردا على محاولات التشويش الروسية، وذلك وفقا لما قاله مسؤول أميركي آنذاك.
وقال كلارك إن أوكرانيا حاليا عالقة في ستارلينك والمشكلات المرتبطة به، وأضاف أن شركات الإنترنت الأخرى مثل “أسترانيس” تفتقر إلى البنية التحتية التي تتيح لها توفير تغطية مستمرة، أما أنظمة الهواتف عبر الأقمار الصناعية فلا تتمتع إلا بنطاق تردُّد ضئيل لا يُلبِّي الاحتياجات الأوكرانية. ورغم ذلك، ليست كل الأخبار سيئة بالنسبة للأوكرانيين، فقد أفاد ضابطان مسؤولان عن عمليات الطائرات المسيرة بعدم وجود مشكلات تشويش مع ستارلينك منذ فترة. وبالمثل، لم يقل “بروفيسور” أو “مورغِنشتيرن” إنهما يواجهان تشويشا لستارلينك حاليا.
من غير الواضح حتى الآن السبب الكامن خلف انحسار التشويش لهذه الوحدات في الآونة الأخيرة. لعل القوات الروسية تناوِب عمليات التشويش عبر الجبهة، مع التركيز على المناطق ذات الأولوية القصوى في نظرها. ولعل أوكرانيا تستهدف سِرًّا وحدات الحرب الإلكترونية الروسية، حيث تُسقِط القوات الأوكرانية باستمرار مُسيَّرات أورلان الروسية، صاحبة الدور المهم في الحرب الإلكترونية التي تشنها روسيا، حيث قام أحد مُشغِّلي المُسيَّرات الأوكرانية مؤخرا بعرض إحدى كاميرات مُسيَّرة أورلان للبيع على أحد المواقع، ما يعني أن الأوكرانيين لا يُسقطون المُسيَّرات الروسية فحسب، بل ويبيعون أجزاء منها أحيانا.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.