سيرجيو بوسكيتس.. عدو الإحصائيات الذي رفضه كرويف!


تخيل نفسك واقفا فوق قمة جبل مونتسيرات، وأمامك مباشرة مدينة برشلونة التاريخية، حلم يحلم به الكثير من أبناء عالمنا العربي، ولأننا نعلم ذلك؛ فسنحاول الطيران بك نحو تلك النقطة لمعايشة الحدث وتمرير فكرة ما. على بُعد ميل واحد، سترى دير سانتا ماريا، الميثولوجيا المسيحية تعتبر هذا المكان حرما يحمل الكأس المقدسة في أسطورة الملك آرثر. (1) (2)

قد تستغل الزيارة أيضا لزيارة كنيسة “ساغرادا فاميليا” الشهيرة، من تصميم المهندس المعماري أنطونيو غاودي. لتلك الكنيسة قصة ملحمية بدأت منذ تشييدها في 19 مارس/آذار 1882 ولم تنتهِ حتى تلك اللحظة، دمَّرها الأناركييون خلال الحرب الأهلية، وقصفها الجنرال فرانكو، وتوقف العمل عليها في العصر الحديث نتيجة فقدان الرسوم الأصلية، وقبل سنوات أعلن جوردي فولي، كبير المهندسين المعماريين، أن البناء قد اكتمل بنسبة 70%، وأن المرحلة القادمة ستكون ببناء 6 أبراج من 10 أبراج تُمثِّل شخصيات توراتية في العهد الجديد. (3)

على ذكر الملاحم، هل أنت مهتم بكرة القدم؟ سنفترض أنك مهتم بالفعل، أو ربما عليك أن تصبح مهتما حتى تقطع مسيرة تُقدَّر بساعتين مشيا على الأقدام، لا لشيء إلا لكي تُلقي نظرة على ملعب الكامب نو، المعقل التاريخي لنادي برشلونة، نظرة تحمل قداسة خاصة، لأنه، في نظر محبيه، أكثر من مجرد ملعب. الأطفال الذين احتموا بأسواره عند قصف المدينة بأمر من الجنرال فرانكو شهداء على ذلك. (4)

على أية حال أنت هنا الآن؛ وقبل دقائق قليلة من بدء مباراة ريال سوسيداد في الدوري، ستلاحظ سريعا أن هناك أجواء احتفالية تصبغ المكان، لقد استطاع النادي حسم بطولة الدوري في فترة متأزمة، لذلك فمظاهر الفرح طاغية على الجميع، لكن لأنها الحياة، فهناك مسحة حزن دفينة أيضا.

في تلك اللحظة، هناك مَن يلامس عشب “كامب نو” للمرة الأخيرة. تمعن في قسماته جيدا، ستجد وجها نحيلا وجسدا أكل عليه الدهر وشرب، تركيبة جثمانية لا تليق برياضي من الأساس، ذلك الرجل الرابض في منتصف الملعب سيكون بعد دقائق قليلة جزءا من ذكريات المدينة، في رحلة فقد فيها الكثير، ذلك السحر الذي كان ينثره أصيب بالعوار فجأة، وتحول “محور الأرض” إلى عاجز وكسول على أرض الملعب، بل وعند الأكثر تطرفا أصبح “عاهة” تستحق الشنق بلا رحمة ولا هوادة.

ليبدو السرد منطقيا سنعود بعض السنوات للخلف، لقد وقف بيب غوارديولا على جنبات هذا الملعب من قبل محدقا في لاعب بعينه، والحقيقة أن ما أثار انتباهه ليس هو ما أثار انتباهك، لأنك في غالب الظن لست بيب غوارديولا. ما رآه هو لاعب يداعب الكرة بلين ويسر، ويحرك ملعبا كاملا في لحظة واحدة، وبعد طول التأمل؛ فرك بيب صلعته بهدوء وقرر تصعيده للفريق الأول، تحديدا في سبتمبر/أيلول 2008، ليصبح بعدها هذا اللاعب عمودا رئيسيا في جيل برشلونة الذهبي. (5) (6)

ذكريات

هناك ديباجة مبدئية لا بد لنا من طرحها عن تاريخ الرجل، احتفالا به قبل رحيله، أو على سبيل التذكرة، لا يهم السبب، الأهم أنه سيرحل وحيدا، بعيدا عن أفراح الماضي. لقد فقد النادي كثيرا من معناه منذ رحيل الأصدقاء، أصبح هشا تذروه الرياح؛ أزمات وديون متتالية تهدد بإغلاقه أو بيعه في أحسن الأحوال، فضائح متكررة من داخل الحقل الإداري كأزمة التحكيم الأخيرة، وفضائح أكبر داخل الملعب تتمثل في الهزائم المتكررة والضعف العام في البنية الفنية.

كل هذا لا يهم بالنسبة له في تلك اللحظة، لقد أقلع عن هذا الهراء أخيرا، لن يمسه مرة أخرى حاضرا أو مستقبلا، أما عن الماضي فالذاكرة دائما بها ما يسر. وُلد بطل حكايتنا بإسبانيا بمدينة ساباديل، بدأ شغفه باللعبة مبكرا حين لعب للعديد من فرق الشباب في مسقط رأسه، ولبعض الوقت في نادي إسبانيول. (7)

لقد وجد بيب ما يريده تماما، ووجد سيرجيو الشاب في المقابل عقلا لامعا سيعمل على تطويره بجِد، وأولى الخطوات كانت بتحويل مركزه من قلب الدفاع إلى محور الوسط. (رويترز)

الخطوة الأكبر جاءت بعد انضمامه إلى أكاديمية برشلونة، لاماسيا، ثم ترقيته بعد موسم واحد إلى الفريق الرديف، ليجد نفسه في حضرة رجل بصلعة خفيفة، صاحب وجه معروف للعامة منذ كان جزءا من “فريق أحلام” برشلونة في التسعينيات، وأتى لتدريب فريق الرديف بناء على توصية من يوهان كرويف شخصيا. اسمه الحقيقي هو “جوسيب غوارديولا دي سالا”، لكنَّ لاعبيه عادة ما ينادونه بـ”بيب” مجردة من الألقاب.

كانت مقابلة تاريخية في حياة الرجلين، لقد وجد بيب ما يريده تماما، ووجد سيرجيو الشاب في المقابل عقلا لامعا سيعمل على تطويره بجِد، وأولى الخطوات كانت بتحويل مركزه من قلب الدفاع إلى محور الوسط.

“لاعب ارتكاز طويل ونحيف، بطيء كالسلحفاة، وليس مميزا في قطع الكرات، بيب أرجوك؛ دفاعنا ضعيف ولسنا في احتياج لإضعافه أكثر من ذلك!”. هذا ما جال في خاطر تيتو فيلانوفا بعدما ألقى بيب ما في جعبته بلحظات، الغريب أنه لم يكن الساخط الوحيد، بل شاركه يوهان كرويف الرأي لدرجة اتهم فيها بيب بالجنون وبأنه سيقضي على مستقبله بيده، لكن الفيلسوف، كما العادة، لم يعبأ وأصر على تطبيق فكرته حتى النهاية. (5)

يوهان كرويف (الأوروبية)

ولحُسن الحظ، جاءت البشارة سريعا، بصعود الفيلسوف لقيادة الفريق الأول، ولحاق سيرجيو به لاعبا أساسيا في تشكيلة الفريق، ليكون عاملا أساسيا في سداسية تاريخية في الموسم الأول، أتبعها بـ8 ألقاب للدوري الإسباني، وسبعة ألقاب من كأس الملك، وثلاثة ألقاب لدوري أبطال أوروبا، مع 15 موسما لم يهتز خلالها عرشه لمرة واحدة، و700 مباراة أصبح بفضلها ثالث أكثر اللاعبين مشاركة في تاريخ النادي.(7)

“لقد غيَّر بوسكيتس من مفهوم لاعب الارتكاز، هو الوحيد الذي عرفته في حياتي يجمع بين خصائص الارتكاز وصانع الألعاب، هناك بوسكيتس واحد فقط”.

(خوان رومان ريكيلمي (8))

ربما راودت ذكريات كتلك عقل سيرجيو قبل إطفاء شمعته الرابعة والثلاثين بلحظات، ولنكن أكثر واقعية؛ ربما راودته أثناء التتويج الأخير بالدوري الإسباني، لقد مر أمامه شريط العمر كاملا بكل أحلامه وسقطاته متسائلا: ما الطائل من وراء هذا الزخم؟ عندما تكون في نهاية العمر عادة ما تبدأ في التساؤل؛ هل يستحق الأمر هذا العناء؟ أم أن الحياة برمتها ليست بتلك الأهمية؟

في يوم من الأيام قرر الشاعر نجيب سرور أن يتخلص من آلامه فكتب: “قد آن يا كيخوت للقلب الجريح أن يستريح، فاحفر هنا قبرا ونم”، ويبدو أن الأمر قد وصل، بطريقة ما لا نعرفها، إلى مسامع بوسكيتس.

ليست مفاجأة

حسنا، ما نعرفه الآن أن فكرة الرحيل عن النادي قد راودت عقل الرجل منذ زمن بعيد؛ وليست وليدة اللحظة كما ظن البعض، بحسب تقرير نشره موقع “ذي أثليتيك” (The Athletic)، اعترف اللاعب لأعضاء الطاقم التدريبي لمانشستر سيتي، بعد المباراة الخيرية التي جمعت الفريقين في أغسطس/آب الماضي، أن أيامه بقميص الكتلان صارت معدودة.

لاحقا، كانت مباراة السوبر الإسباني فرصة ذهبية ليصارح زملاءه في الفريق، ولأول مرة، عن نيته الرحيل بنهاية الموسم، وما إن عرف تشافي بالأمر حتى هرع إليه محاولا إقناعه بالعدول عن رأيه، مع وعود بحجز مقعد أساسي في الموسم القادم، لكن خيبة الأمل الأوروبية والمشكلات المتوالية، وآماله بالرحيل عن الفريق تاركا أثرا محببا للنفس، جعلته متحمسا للرحيل وفي يده بطولة الدوري، لقد أرادها لحظة أخيرة يودع بها الجماهير قائدا لفريقهم البطل. (9)

إلى هنا تبدو السردية حالمة ومتماسكة للغاية، لكن الأمور، كما تعلم جيدا، لم تكن يوما بتلك البساطة.

لقد قدم برشلونة عروضا جديدة لبوسكيتس، كانت تقريبا بخفض 70% من قيمة العقد القديم، وهذا لم يرض به بوسكيتس بالطبع. (رويترز)

أنت تعلم أيضا أن نادي برشلونة يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وهو مطالب بدفع 1.35 مليار يورو، منها 673 مليونا مستحقة للبنوك. ربما سمعت عن ذلك أيضا، لقد وافق النادي على بيع 10% من حقوق تلفزيون “La Liga TV” على مدى الـ25 سنة المقبلة لشركة الاستثمار العالمية “Sixth Street Partners”، كما وافق الأعضاء على بيع 49.9% من شركة التراخيص والصفقات التي يملكها النادي (BLM)، من أجل زيادة رأس المال وسد عجز الموازنة، كل ذلك دون حساب الأزمات المتتالية في فاتورة الأجور. (10)

وفقا للصحفي كريستيان ستورت، يتقاضى روبرت ليفاندوفسكي، على سبيل المثال، أجرا يبلغ نحو 400 ألف يورو في الأسبوع، وهذا راتب في غاية السخف وفقا للمداخيل، ووفقا لسن اللاعب الذي لن تستطيع بيعه لأي نادٍ يضمن لك استرداد تلك الأموال، كذلك ينطبق الأمر على ماركوس ألونسو وأندرياس كريستنسن وهيكتور بيليرين، وهنا تأتي المفارقة؛ وسيرجيو بوسكيتس، وهذا ما لم تسمع به في غالب الظن. (11)

لقد قدم برشلونة عروضا جديدة لبوسكيتس، وفق تقرير نشرته مجلة “فوربس”، وبناء على الظروف الاقتصادية للنادي قُدِّر العقد الجديد بنحو 7.5 ملايين يورو في موسم واحد، وقد يزيد قليلا عند بعض المصادر ليصل إلى 10 ملايين يورو، أي بخفض 70% تقريبا من قيمة العقد القديم، وهذا ما لم يرض به بوسكيتس بالطبع، ففي الحالتين سيُخفَّض الراتب بما لا يقل عن 15 مليون يورو، مما يُعَدُّ أزمة حقيقية لرجل يحصل على عقده الأخير لاعبا محترفا، وهنا يكمن مربط الفرس. (12)

الحلم لم يعد أميركيا

بعد فشل مفاوضات التجديد ظهر خوان لابورتا معترفا لمجلة “ذي أثلتيك” أن بوسكيتس يريد الانتقال للولايات المتحدة بلا جدال: “جلسنا قبل عيد الميلاد، كان لديه عرض من الدوري الأميركي، إنه ينهي حياته في الملاعب ويود أن يعيش التجربة الأميركية”، وبالفعل أعربت المصادر أن اللاعب قد ينهي اتفاقا مع نادي إنتر ميامي في صفقة انتقال حر، مع التكهن بانتظاره القرار النهائي لليونيل ميسي حول انتقاله هو الآخر للدوري نفسه، ولكن عند نقطة فارقة في المفاوضات، بدأ اسم المملكة العربية السعودية في الظهور أمام الرجلين. (13)

نريد المملكة استقطاب العديد من اللاعبين والمدربين رفيعي المستوى لجعل الدوري السعودي منافسا عالميا. كريستيانو رونالدو يتقاضى 200 مليون يورو سنويا، نونو سانتو وافق على الرحيل من أرض الإنجليز في مقابل عقد يُقدَّر بـ8 ملايين يورو. عقود مغرية، واحترافية في التفاوض، تجعل المملكة محطة مناسبة لختام الرحلة بالنسبة إلى العديد من لاعبي الصف الأول. (14) (15)

لماذا لا يخوض بوسكيتس التجربة ذاتها؟ خاصة في ظل الحديث عن عرض من نادي النصر السعودي، عقد يمتد لعامين مع 18 مليون يورو سنويا، أي ضِعْف ما كان سيتقاضاه في برشلونة أو في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى محاولات جلب ميسي وجوردي ألبا ومودريتش للمملكة أيضا، ما سيجعلها تجربة مميزة ومثيرة. الأهم أن بوسكيتس لن يذهب إلى السعودية لاعبا منتهيا، بل سيظل حاملا بريقه حتى نهاية الطريق. (16)

عدو الإحصائيات

“هذا الرجل هو عدو الإحصائيات، إنه لاعب كرة القدم الذي لا يمكن قياسه أو فك شفرته بسهولة”.

هكذا كتب سِد لو محرر الغارديان واصفا بوسكيتس، وبقليل من التمعن قد نجد في الأمر وجاهة بالفعل؛ لقد عاش سيرجيو طوال حياته في ثوب الجندي المجهول، ليست له قيمة كبيرة على جداول الإحصائيات الخاصة بمهام الوسط الدفاعي مثل الالتحامات ومعدلات استخلاص الكرة، لكنه كان دائما ما يجبر مدربيه على الاعتراف بجودته. (17)

في يوم من الأيام سُئِل المدير الفني للمنتخب الإسباني فيسنتي ديل بوسكي عن لاعبه المفضل، وجاء رده في غاية الدراماتيكية: “إذا كان بإمكاني أن أصبح لاعبا الآن، فأريد أن أصبح مثل بوسكيتس”. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد سنوات من الرفض اعترف يوهان كرويف في كتابه “My Turn” بأن سيرجيو هو هدية غوارديولا التي لا تُقدَّر بثمن، لقد أصبح بين ليلة وضحاها المعنى الحقيقي للكرة الشاملة في عيون أكبر منظريها، وانتقالا للجيل الأحدث؛ فتشافي هيرنانديز ما زال متمسكا بوجوده في الفريق حتى هذه اللحظة، هذا هو المعنى الحقيقي للتأثير. (18)

كتاب “My Turn” لـ “يوهان كرويف”. (مواقع التواصل)

لقد قدَّم لنا وعيا استثنائيا بموقعه وزملائه، قدرة على توقع تحركات المنافسين وقراءة المباراة بسهولة. ديل بوسكي قالها مرة أخرى: “بوسكيتس هو المباراة كاملة”، هل تعلم ما يعنيه هذا؟ يعني قدرة عالية على الاحتفاظ بالكرة وتحريكها بفاعلية، والسماح للفريق بفرض الهيمنة والاستحواذ، أن تكون محركا لعرائس الماريونيت، يراك العامة من وراء حجاب، لكنك في الوقت ذاته ترسم السيناريو كاملا، هذا هو التشبيه الأقرب لما يحدث بالفعل، لكن الأمر به جانب آخر أيضا.

ربما تكون العبارة التالية مفاجئة؛ لكن بوسكيتس هو أكثر لاعبي برشلونة قياما بالاعتراضات الصحيحة في السنوات الخمس الماضية. هذا ليس رأيا، هذه حقيقة أقرَّت بها الإحصائيات بلا تحيزات مسبقة، ودعنا نزدك من الشعر بيتا؛ لقد أصبح أكثر لاعبي الفريق استخلاصا للكرة في الفترة نفسها وبمعدلات فاقت جميع لاعبي وسط برشلونة وبناءً على المعطيات نفسها، يحدث ذلك وهو ابن الرابعة والثلاثين من العمر. (19)

هل ما زلت مندهشا؟ غالبا، فجميعنا قد يسقط سهوا في تلك المسألة، نرجسية المشجع التي تحملنا على الاعتقاد بأن الرؤية الشخصية للملعب تظل كافية للحكم على الأمور، ومن الإنصاف الاعتراف بأنها توضح الكثير من الأمور بالفعل، لكنها لا تستطيع سرد الحقيقة دون اقترانها بمقياس رياضي ثابت أو إحصائية معينة ليس لديها من الدوافع ما قد يؤثر في حكمها.

بالمناسبة، ذلك المقياس المحدد والواضح الذي أنصف سيرجيو في هذا الصدد أنصف عمالقة في مجالات متعددة من قبله وفي لحظات حالكة كتلك، والسبب أن هناك نوعية خاصة من الموهوبين يسببون ما يكفي من الحيرة والارتباك، وتقابل أفعالهم بنوع من التطرف الشديد من المحبين والكارهين على حد سواء.

بعد سنوات من الرفض اعترف يوهان كرويف بأن سيرجيو (يسار) هو هدية غوارديولا التي لا تُقدَّر بثمن. (شترستوك)

كم مرة سمعت من أصدقائك أن جورج وسوف لا ينبغي له الغناء من الأساس، وأن هذا الصوت الأجش لا يمكن له أن ينتج طربا، قبل أن تنشب معركة حامية الوطيس بين محبيه وكارهيه، مَن يراه سلطانا للطرب ولا يُقارن، وبين مَن يراه دخيلا على الفن وعلى الغناء، وكذلك رجل مثل عادل إمام، الممثل صاحب الوجه الممتلئ بالتجاعيد والبطن المترهلة، وصاحب “الإفيهات” التي تعتمد بشكل فج على مداعبة الغرائز وتوجيه الإهانات، ورغم ذلك يمثل دور “الجان بريمير” باقتدار مثير للدهشة، ويقف متفاخرا بأنه محبوب كل النساء.

إنها مواهب ليست صارخة الوضوح؛ تتخفى وراء حجب متعددة، فجورج وسوف ليس أم كلثوم ذات الصوت العذب، عادل إمام ليس أحمد زكي صاحب الموهبة المتشعبة والقدرة الخارقة على التجسيد والتشخيص، أما سيرجيو بوسكيتس فليس نغولو كانتي صاحب الرئات الثلاث كما يطلق عليه، السريع والقوي الذي يملأ خانات الأرقام والجداول الإحصائية بفخر شديد. بوسكيتس يحتاج إلى سياق مختلف للتقييم بعيدا عن النظرة الشعبوية التي تضع لاعب الارتكاز دائما في صورة “هرقل” مدمر الهجمات، هذا ليس سياقا للحديث عنه، بل يقع السياق الصحيح عند أسئلة مثل؛ كم مرة شتت الكرة؟ ما نسبة التمريرات الصحيحة؟ وما إلى ذلك من طرق التقييم التي تعتمد في الأساس على أسلوب لعب ناديه.

وهنا تقع المعضلة، قبل أيام من صدور ألبوم “الله كريم” ظهرت بعض الاتهامات بأن جورج وسوف يعتمد على الألحان البسيطة ليداري سوءته وضعف قدراته، ولكن ما إن نزل الألبوم إلى الأسواق؛ مرافقا أغنية “الدهب يا حبيبي” من ألحان الراحل ملحم بركات، حتى أثبتت المقاييس الفنية أن أبا وديع لم يفقد مقام “الراست” في رحلته الطويلة، بل زاده بريقا ولمعانا، التقييم هنا لم يتعلق فقط بجمال الصوت، بقدر ما جاء عن طريق قياس الإمكانيات التي يتمتع بها الصوت، أما عادل إمام فقد ظهر في “خلي بالك من عقلك” بدور “الجان بريمير” كما قال الكتاب، ولكنه اعتمد على منطقة أخرى لا تتعلق بلون العينين، بل تتعلق بمشاعر إنسانية حقيقية أثر بها على المشاهدين، الذين تمنوا للحظة أن يكون كل العشاق مثل عادل، أو وائل إن كنا نتحدث عن الشخصية، وهنا يقع التجلي الحقيقي للأستاذية والتحقق، والتفرد أيضا.

______________________________________

المصادر:

  1. Montserrat Monastery – Barcelona.de
  2. Holy Grail – Britannica
  3. La Sagrada Família Basilica by Antonio Gaudí – Barcelona Tourist Guide
  4.  spotify-camp-nou – fc barcelona.
  5. Pep Guardiola: Another Way of Winning: The Biography – Amazon
  6. Sergio Busquets Biography – FC Barcelona
  7. Sergio Busquets – Titles & achievements – transfermarkt.
  8. تصريحات ريكيلمي عن بوسكيتس – فوتبول إسبانيا
  9. Sergio Busquets: Why he’s leaving Barca, where’s next and his role in Messi’s future – The Athletic.
  10. Barcelona sell 10% of TV rights for the next 25 years to US firm Sixth Street – The Athletic.
  11. Barcelona’s €200 million wage crisis continues, no more economic levers allowed, as
  12. FC Barcelona Reportedly Set To Start Busquets Contract Renewal Negotiations – forbes.
  13. Barcelona’s Sergio Busquets wants to live the American dream — Joan Laporta – The Athletic.
  14. Official: Cristiano Ronaldo signs for Al-Nassr – Marca.
  15. Lionel Messi And Busquets Agree To Join Al-Hilal In Saudi Arabia This Summer, Requested $660 Million: Reports – forbes.
  16. 3 عروض سعودية لبوسكيتس – جول 
  17. Sergio Busquets: the unique talent who changed Barcelona and the game – the guardian
  18. My Turn, The Autobiography.
  19. Sergio Busquets- whoscored.
  20. Sergio Busquets – fbref.




اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post يشعر مشجعو لعبة Jeopardy بالغضب بعد خطأ إملائي بسيط ينهي سلسلة انتصارات 9 مباريات متتالية
Next post إسدال الستار على قضية الصيدلي ولاء زايد.. السجن 15 عاما للقتلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading