القاهرة- تحث الحكومة المصرية الخطى لتدبير موارد النقد الأجنبي وتخفيف فاتورة الاستيراد تحديدا التي تخص استيراد المواد الغذائية التي بلغت أرقاما قياسية. وفي هذا السياق، أعلن السفير الروسي في القاهرة غيورغي بوريسينكو أن مصر تقدمت بطلب للانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
وأكد بوريسينكو -في تصريحات صحفية- أن إحدى المبادرات التي تشارك فيها “بريكس” حاليا هي تحويل التجارة إلى عملات بديلة قدر الإمكان، سواء كانت وطنية أو إنشاء عملة مشتركة، وقال إن مصر “مهتمة جدا بهذا الأمر”.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الفيوم أشرف حبيب أن التحرك نحو “بريكس” سيكون خطوة مهمة لكسر هيمنة الدولار وتعزيز الاقتصاد وإنقاذ بلد مثل مصر يستورد معظم احتياجاته من الغذاء، وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن العنصر الأهم يتمثل في تبادل التجارة بالعملات المحلية وربما إنشاء عملة موحدة فيما بعد.
وأشار حبيب إلى أن انضمام مصر يسمح لها بالحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي واشتراطاته القاسية، وفق تعبيره.
وتمتلك مجموعة “بريكس” بنك التنمية الخاص بها، ويهدف إلى دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة للدول المشتركة في المجموعة.
آمال حكومية
ويتوقع مصدر مسؤول بوزارة التعاون الدولي المصرية أن يعود الانضمام إلى “بريكس” بمزايا كثيرة من الناحية الاقتصادية، أبرزها تحسين شروط التجارة الخارجية، توسيع حجم تصدير المنتجات المحلية، تعزيز تنافسيتها مع العديد من الدول، جذب الاستثمارات إلى قطاعات تستهدف الدولة تنميتها.
وأكد -في حديثه للجزيرة نت- أن مصر تأمل في تخفيف العبء عن الجنيه (العملة المحلية) في أقرب وقت، موضحا أن الحكومة تتحرك في أكثر من اتجاه لكنه أشار إلى أن نجاح هذه التحركات مرهون بمواقف سياسية.
وأشار هذا المصدر إلى أن مصر تعتمد على المعونة الأميركية، ولديها علاقات راسخة مع واشنطن التي لن ترضى بكسر هيمنة الدولار في المعاملات التجارية الدولية. وأضاف أن مصر نجحت في فتح الباب نحو معاملات تجارية بدون الدولار من خلال اتفاقيات ثنائية مع دول كبرى مثل روسيا والصين والهند، وأن هذه الخطوة قد تكون بمثابة انفراجة للأزمة على المدى البعيد، والتمهيد لإدراج الجنيه في التعاملات الدولية، خاصة وأن دول “بريكس” لديها نفس الهدف وهو التحرر من هيمنة الدولار والتعامل بالعملات المحلية الخاصة بها.
كما أكد أن مصر من الممكن أن تستفيد من جذب الاستثمارات وتفعيل اتفاقية “ميركسور” مع البرازيل من أجل إقامة منطقة حرة، وإنعاش حركة السياحة.
والمعروف أن “ميركسور” تكتل اقتصادي في أميركا اللاتينية، يهدف إلى تحقيق التكامل بين الدول الأعضاء، ونجح منذ تأسيسه عام 1991 في أن يصبح ضمن أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم.
عراقيل منتظرة
ويشير الباحث الاقتصادي بمركز دراسات الجنوب مصطفى السيد إلى أن هناك “محدودية” في الدور الاقتصادي المصري بسبب ضعفه مقارنة بدول أعضاء “بريكس”. وأكد أن ترحيب هذا التكتل بمصر جاء لأهداف سياسية في المقام الأول فرضتها الظروف الدولية، وسعي روسيا للخروج من عزلتها الدولية.
كما يشير السيد إلى ما يسميه القلق المشروع لبعض الاقتصادات الكبرى مثل الصين التي تخشى الاندماج مع دول ذات معدلات اقتصادية ضعيفة، حيث يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين مجموع كل دول أعضاء “بريكس” مجتمعين.
من جهة ثانية، يعتبر الخبير بهيئة الاستثمار حسين الضبع أن أزمة الحبوب العالمية التي فجرتها الحرب الروسية الأوكرانية دفعت بلاده للتحرك جديا نحو “بريكس” وقال للجزيرة نت إن مصر انسحبت في فبراير/شباط الماضي من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية التي وقعت عليها ضمن 35 دولة عام 1995.
وأكد الضبع أن هذه الاتفاقية لم يكن لها أثر إيجابي في مساعدة مصر بمواجهة ارتفاع الأسعار العالمية للقمح، موضحا بأن القاهرة تعاني بشكل كبير في توفير الدولار بما أثر سلبا على مخزون البلاد من النقد الأجنبي.
وأضاف “الولايات المتحدة وأوروبا لم تكونا على قدر المسؤولية المطلوبة في التعاطي مع أزمة القمح العالمية، ومصر لم تتأخر في دفع مستحقاتها الدولارية رغم أن لديها طلبا ثابتا وكبير” وتوقع أن تكون “بريكس” بديلا قويا ومهما الفترة المقبلة.
وصرح وزير التموين علي مصيلحي مؤخرا لرويترز بأن الهيئة العامة للسلع التموينية (المشتري الحكومي للحبوب في مصر) أجلت فتح خطابات اعتماد لسداد قيمة واردات القمح، لتخفيف الضغوط المالية الناجمة عن النقص الحاد في العملة الأجنبية.
وتستورد مصر ما يقرب من 80% من إجمالي وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا بواقع (50% و30%) على الترتيب، وبلغت فاتورة واردات القمح 4.2 مليارات دولار، وفق بيانات حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، كذلك تستورد البلاد 80% من احتياجاتها من الفول الذي يمثل وجبة رئيسية للكثير من المصريين.
عملة “بريكس” الموحدة
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قمة “بريكس” المقبلة بجنوب أفريقيا ستناقش إنشاء عملة موحدة بين الأعضاء الذين بدؤوا بالفعل تفكيك الارتباط بالدولار كعملة للتبادل التجاري، ولجؤوا للعملات المحلية في تفاعلاتهم التجارية الدولية، من خلال اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى، أو بين بعضهم البعض، وآخرها الاتفاق بين الصين والبرازيل على استخدام (اليوان والريال) على الترتيب في صفقات التجارة بينهما. وسبق ذلك الاتفاق الصيني الروسي على تسوية معاملتهما التجارية بالعملات المحلية، وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأييده استخدام اليوان للتسويات التجارية مع دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وإعلان الهند استخدام عملتها (الروبية) بديلا للدولار في تعاملاتها مع أكثر من 18 دولة.
ويعد “بريكس” من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، ويضم في عضويته كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية هي اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.
وتشكّل دول المجموعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، وتهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع جي 7” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
وتكشف الأرقام الصادرة عن “بريكس” عن تفوقها لأول مرة على “جي 7” فقد وصلت مساهمة الأولى في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة الأخيرة عند 30.7%، وتنتج الدول الأعضاء به أكثر من ثلث إنتاج الحبوب بالعالم.
مستقبل التكتل
ويرى مراقبون أن مستقبل “بريكس” سيكون مرهونا بالتقلبات على الساحة الدولية. ويطرح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مصر للعلوم حسني الشاهد علامات استفهام بشأن الموقف الأميركي، ويقول “هل ستقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي وهي ترى انتهاء عصر الدولار أم ستتحرك لمواجهة هذا التكتل بشتى الطرق؟”.
ويقول الشاهد -في حديثه للجزيرة نت- إن الولايات المتحدة ربما تراهن على انتهاء تجمع “بريكس” كما انتهت حركة عدم الانحياز مع الوقت، مشيرا إلى أن الخلافات والنزاعات الكبيرة بين الصين والهند قد يكون لها تأثيرات سلبية محتملة.
كما يؤكد أن احتمالية إصدار هذا التكتل عملة موحدة أمر صعب، لكنه قال “التداول داخليا فيما بين دول التكتل بدون الدولار وارد جدا ويمكن الاعتماد عليه”.
ويعتقد الأكاديمي المصري أن الحديث عن كسر هيمنة الدولار وتغيير المعادلات الاقتصادية العالمية غير وارد لأن انهيار العملة الأميركية يعني انهيار اقتصاديات الدول العظمى، كما أن 60% من احتياطي العالم وكل الأصول المملوكة للدول مقومة بالدولار “فقد يحتاج العالم إلى حرب عالمية ثالثة تتلقى فيها الولايات المتحدة هزيمة كبرى حتى يمكن البدء في تغيير النظام الاقتصادي العالمي”.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.