مراسلو الجزيرة نت
الموصل- مع قرب الانتخابات المحلية في العراق، تزداد حدة الصراع بين القوى السياسية، سواء كانت السنية أو الشيعية، وتتجلى أبرز هذه الصراعات في المؤتمر الذي أعلن عنه مؤخرا في محافظة الأنبار (غربا) التي تعد معقل رئيس مجلس النواب العراقي رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي.
وشهدت مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار الجمعة الماضي 19 مايو/أيار عقد المؤتمر الثالث لتحالف الأنبار الموحد الذي يضم قيادات سياسية سنية عديدة، من أبرزها وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، إضافة إلى محافظ الأنبار الأسبق صهيب الراوي وسياسيين آخرين من بينهم سلمان الجميلي وجمال الكربولي وغيرهما.
وفي خضم هذه الأحداث، تزداد التساؤلات عن إمكانية منافسة هذا التحالف للقوى السياسية السنية الأخرى في المحافظات المستعادة من سيطرة تنظيم الدولة عام 2017، مثل تحالف السيادة وحزب تقدم وغيرهما، وفيما إذا كان هذا التحالف يحظى بالدعم الجماهيري والفرصة المواتية لمنافسة الآخرين.
التحالف وتوجهاته
وعن أهداف التحالف الجديد، يؤكد القيادي في تحالف الأنبار الموحد سلمان الجميلي -في حديثه للجزيرة- أن التحالف يهدف لكسر ما وصفه بـ”الاحتكار السياسي” لحزب واحد ومواجهة سياسة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات والفساد المالي والإداري المستشري في دوائر محافظة الأنبار، فضلا عن السعي لتوفير مظلة للشباب الطامحين بالعمل السياسي بعيدا عن الخوف والإقصاء لصالح المنتمين لحزب السلطة فقط، وفق تعبيره.
وعن فرص التحالف الجديد في منافسة القوى السياسية الأخرى، يعلق الجميلي الذي شغل منصب وزير التخطيط في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قائلا: “نعتقد أن التحالف الجديد لديه فرصة للتنافس في المحافظات المحررة، كونه يستند إلى شخصيات سياسية محترمة مارست السلطة سابقا ولم تسجل عليها ملفات فساد”.
في غضون ذلك، يرى المحلل السياسي رياض العلي -في حديثه للجزيرة نت- أن الدستور العراقي منح الفرصة لعقد تحالفات سياسية جديدة والدخول في معترك الانتخابات بغض النظر عن المتحالفين، وهو ما قد يمهد لتحالف الأنبار الموحد لدخول الانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة ومنافسة بقية الأحزاب التي تتصدر المشهد الآن.
وقد لا يقف الأمر عند ذلك، إذ وبحسب العلي، فإن السنوات الماضية شهدت صعود الكثير من الكتل السياسية السنية مثل جبهة التوافق واتحاد القوى العراقية وغيرهما، وأن غالبية الشخصيات التي تقود تحالف الأنبار الموحد الآن كانت جزءا من تلك التحالفات السابقة، بما قد يعني إمكانية منافستها الفعلية للأحزاب الأخرى، وفق قوله.
إمكانية المنافسة
ولا يخفي سلمان الجميلي إمكانية التحالف مع كتل سياسية أخرى، حيث يؤكد “سندخل الانتخابات المحلية من خلال تحالفنا، بالتأكيد ستكون لنا تفاهمات مع تحالفات أخرى”، مبينا أن قيادات التحالف تحظى بحضور جماهيري رغم تعرضها للإبعاد والظلم خلال السنوات الماضية، وفق تعبيره، معلقا “إن الحزب الحاكم في المحافظات المحررة فشل في تقديم نموذج لمشروع سياسي محترم تلتف حوله الجماهير، مع اعتماد هذا الحزب على السلطة في تصفية خصومه السياسيين واستعداده لتقديم تنازلات كبيرة مقابل الاحتفاظ بالمنصب، وهو ما يعد عاملا مساعدا لنجاح تحالفنا في حصد أصوات كبيرة رغم الماكينة الإعلامية والمالية الكبيرة التي يمتلكها الخصوم”.
على الجانب الآخر، يرى الباحث في الشأن السياسي الدكتور سيف السعدي أن التحالف يضم قيادات سياسية مما يمكن تسميتهم بالرعيل الأول، غير أن جميع هؤلاء القادة كانت لهم مشكلات مع مجتمع محافظة الأنبار وبقية المحافظات السنية، بما قد يعني أن غالبية الجماهير -في هذه المحافظات- ترفض عودة هؤلاء للمشهد السياسي، على اعتبار أن التحالف لا يمتلك رؤية سياسية يمكنه من منافسة القوى السياسية الحالية، مبينا أن شعار محاربة الفساد لن يُمكِّن التحالف من ضرب القوى الأخرى، وأن كثيرا من هذه الزعامات عليها ملفات فساد، وفق قوله.
وعما إذا كانت أعداد الجماهير الحاضرة في المؤتمر الأخير التي تقدر بنحو 10 آلاف شخص تفند عدم امتلاك التحالف الدعم الجماهيري، يقول السعدي -في حديثه للجزيرة نت- إن عدد الحضور في المؤتمر غير دقيق، ولا سيما أن 20 قياديا في التحالف لم يستطع غالبيتهم الوصول لما يخولهم للفوز بمقعد نيابي بالبرلمان في الانتخابات الأخيرة، مبينا أن أكثر من نصف الحاضرين بالمؤتمر كانوا تابعين للطريقة القادرية التي يقودها نهرو الكسنزاني المنضوي في التحالف، وما يدل على ذلك أعلام ورايات هذه الطريقة خلال المؤتمر، وفق السعدي.
في غضون ذلك، يرى الباحث السياسي المستقل رعد هاشم أن التحالف لا يمكنه منافسة القوى السياسية الأخرى، لا سيما أن جميع قياداته تعد زعامات من الرعيل الأول، وبالتالي، وبما أن البرلمان اعتمد نظام الدائرة الواحدة للمحافظة في الانتخابات التشريعية والمحلية، فإنه من الصعوبة بمكان أن يبقى التحالف موحدا، فضلا عن إمكانيته في منافسة الأحزاب السياسية السنية الأخرى.
في السياق، يرى هاشم -في حديثه للجزيرة نت- أنه وبما أن هدف تحالف الأنبار الموحد يسعى عبر خطاباته لإزاحة محمد الحلبوسي من تصدر المشهد السياسي السني، فإن ذلك قد يصطدم بمعادلة أخرى مفادها أن الحلبوسي بات يحظى بدعم معظم القوى المؤثرة بالشأن العراقي، وهو ما قد يجعل هدف تحالف الأنبار صعب المنال في ظل الظروف الراهنة، على الرغم من أن التحالف يمكن أن يزاحم الحلبوسي سياسيا، وبما قد يؤرق تحركات حزب تقدم سواء في الأنبار أو في المناطق الأخرى مع قرب الانتخابات المحلية.
مؤشرات عديدة
وبالعودة إلى الجميلي وعن حيثيات عقد المؤتمر الثالث لتحالف الأنبار، يعلق بالقول: “لم نواجه معرقلات فنية لعقد المؤتمر، لكن الجو السياسي العام السائد في الأنبار هو التضييق عن طريق الاعتقال أو العقوبات الإدارية لمن هو موظف في إحدى دوائر المحافظة للناشطين والمعارضين للحزب الحاكم في المحافظة الذين يبدون آراءهم من خلال قنوات إعلامية أو صفحاتهم الشخصية، ولولا هذه المضايقات لتضاعف الحضور إلى عشرات الآلاف”.
وفي الوقت الذي أشيع عن أن العديد من قيادات تحالف الأنبار الموحد كانت قد التقت قيادات إيرانية في مقر سفارة طهران ببغداد في الأسابيع التي سبقت عقد المؤتمر الأخير بمدينة الفلوجة (غرب بغداد)، وبما قد يشير لدعم السفارة الإيرانية وقيادات من كتل سياسية شيعية لشخصيات سنية معينة من أجل إضعاف الأحزاب السياسية السنية، التي قد يكون حزب تقدم على رأسها، نفت مصادر مقربة من تحالف الأنبار الموحد هذه الاتهامات وعدتها غير مسؤولة وتفتقد للأدلة.
كما أكد المتحدث باسم تحالف الأنبار الموحد طه عبد الغني -في حديث تلفزيوني- نفيه أن يكون المؤتمر قد عقد بحماية الفصيل المسلح “كتائب حزب الله العراق”، لافتا إلى أن جميع القوات التي تولت حماية المؤتمر الأخير كانت من قيادة عمليات الأنبار والشرطة المحلية والحشد الشعبي.
على الجانب الآخر، لم يخف الباحث السياسي رعد هاشم مخاوفه من تحالف سياسي جديد بين قيادات سياسية علمانية وإسلامية سنية من جهة وبين تحالف الأحزاب السياسية الشيعية التي تمتلك فصائل مسلحة، معتبرا أن التحركات السياسية الحالية للكتل السياسية السنية تشي بأن مرحلة جديدة بدأت في المناطق السنية، وفق قوله.
اكتشاف المزيد من صحيفة 24 ساعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.